بعد عام كئيب .. الرياح تهب مجددا في أشرعة سفن الرحلات البحرية

بعد عام كئيب .. الرياح تهب مجددا في أشرعة سفن الرحلات البحرية

لا يمكن أن يكون توقيت ريتشارد برانسون أسوأ من ذلك. في شباط (فبراير) 2020 كانت أول سفينة من أسطول شركته للرحلات البحرية، فيرجين، تبحر عبر المحيط الأطلسي لبدء رحلتها الأولى عندما تسبب فيروس غامض ومميت في ذلك الحين في توقف هذه الصناعة فجأة.
كان فيروس كورونا قد انتشر على متن سفينة لشركة الرحلات البحرية المنافسة، كارنفال، واجتاح ضيوفها. تم تصوير الركاب المنكوبين وهم ينظرون عبر فتحات السفينة عندما أطلقت وسائل الإعلام العالمية على السفن البحرية "أطباق البتري العائمة". الحكومات في دول عديدة منعتها أن ترسو في موانئها. عادت سفينة شركة فيرجين، سكارليت ليدي Scarlet Lady، إلى حيث بنيت في جنوا. بقيت هناك منذ ذلك الحين.
يقول نايجل توماس، الرئيس والشريك في شركة المحاماة واتسون فارلي آند ويليامز، "إنه حقا كابوس (بالنسبة للصناعة). تم تسليم سكارليت ليدي قبل عام (...) ولم تأخذ أي راكب بعد".
كان من المقرر إطلاق سفينة بحرية ثانية تابعة لشركة فيرجين، فاليانت ليدي Valiant Lady، في أيار (مايو). مثل شقيقتها، لم تتلق رسوما بعد من تحميل الركاب على متنها.
خلال العام الماضي، تركت السفن البحرية العابرة للمحيطات البالغ عددها 273 بلا عمل على الشواطئ مع طواقمها. اضطرت الشركات إلى جمع المليارات من السندات والأسهم للحفاظ على منتجعات العطلات البحرية هذه قائمة.
لكن على الرغم من نفاد السيولة، ومجموعة من التغطيات الصحافية السلبية التي جعلت السفينة البحرية تبدو كأنها آخر مكان يمكن أن يدفع أي شخص مقابل الحصول عليه، لا تزال الصناعة متفائلة بأنها ستنجو - وحتى إنها تظهر بعض علامات الانتعاش. في الشهر الماضي، تم خلال يوم واحد بيع خط رحلة حول العالم لمدة ستة أشهر على متن السفينة إنسجنيا Insignia التابعة لشركة أوشينيا للرحلات البحرية، على الرغم من أن أسعار التذاكر بدأت من 38 ألف جنيه. بالمثل، أعلنت شركة سيلفرسي للرحلات البحرية الأسبوع الماضي أنها ’حطمت أرقامها القياسية في الحجوزات‘ من خلال بيع رحلة لمدة 139 يوما في 2023 في يوم إصدار التذاكر. في شباط (فبراير)، قالت شركة رويال كاريبيان، ثاني أكبر شركة للرحلات البحرية في العالم، إنها شهدت زيادة بنسبة 30 في المائة في الحجوزات الجديدة منذ بداية العام، مقارنة بالشهرين الأخيرين من 2020.
لحسن حظ الصناعة، يبدو أن ركاب الرحلات البحرية المنتظمين هم مجموعة مصممة وسعيدة بالحجز لفترة بعيدة مسبقا. أفادت المنظمة الدولية للرحلات البحرية أن 85 إلى 90 في المائة من الرحلات البحرية تقول إنها من المحتمل أن تبحر مرة أخرى في غضون الأعوام القليلة المقبلة. تقول شركات الرحلات البحرية إن أحجام الحجوزات والتسعير ارتفعت على الرغم من تأجيل مسارات الرحلات باستمرار.
"الطلب لن يكون مشكلتنا على المدى القصير"، كما يقول أرنولد دونالد، الرئيس التنفيذي لشركة كارنفال، التي لديها أسطول يضم أكثر من 100 سفينة عبر عشر علامات تجارية. خسرت المجموعة 10.2 مليار دولار العام الماضي، لكن دونالد يقول إن الشركة لديها الموارد المالية اللازمة لاستمرارها حتى 2022 بدون أي إيرادات. علاوة على ذلك، تشهد حجوزات قوية على الرغم من "التسويق القليل للغاية"، بفضل حملة اللقاحات والخطوات التي تتخذها الصناعة لجعل السفن آمنة.
هدف برانسون من خط الرحلات البحرية لشركته فيرجين فوياجيز كان جذب المسافرين الأصغر سنا إلى الصناعة التي كانت مرتبطة تقليديا بالزبائن المتقاعدين ومآدب الطعام المليئة والترفيه على غرار مسارح برودواي. تستهدف سفن شركة فيرجين حشدا من جيل الألفية مع صالات الوشم وألعاب كرة المناورة في وقت متأخر من الليل ومجموعات تشغيل الموسيقى. لا توجد مآدب طعام ولا يسمح للأطفال دون سن 18 عاما بالصعود عليها.
لكن الآن، في مواجهة احتمال الاضطرار إلى اجتياز الاختبارات الصارمة التي وضعتها السلطات الأمريكية من أجل تنفيذ مسارات الرحلات من وإلى ميامي، اضطرت سكارليت ليدي إلى إضافة ميزات أقل جاذبية: الكاميرات الحرارية، وأجهزة التعفير لتنظيف الأمتعة، ونظام تنقية الهواء الذي سيقضي، وفقا لنيرمال سافيرموتو، كبير الإداريين التجاريين في شركة فيرجين فوياجيز، على "99.9 في المائة من جميع الفيروسات، بما في ذلك كوفيد - 19".
مثل هذه الجهود شائعة عبر قطاع مصمم على المضي قدما، كما يقول بيرفرانسيسكو فاجو، رئيس أكبر شركة خاصة للرحلات البحرية، MSC. جوش ليبويتز، الرئيس التنفيذي لشركة الرحلات البحيرة الفاخرة، سيبورن، يصف الأجواء بأنها "مثل شركة ناشئة". يقول: "نحن نتحدث عن إعادة إطلاق شركة بأكملها".
حتى الآن، اشترطت أربع شركات للرحلات البحرية أن يكون جميع المسافرين قد تلقوا اللقاح - وهي خطوة مثيرة للجدل في صناعة السفر، التي يخشى أن التطعيم الإلزامي سيثير التمييز ضد الزبائن الأصغر سنا والذين من دول تكافح من أجل الحصول على اللقاحات. اثنتان منها هما شركتا الرحلات النهرية في الولايات المتحدة: أمريكان كوينن ستيمبوت وفيكتوري كروز. الشركتان الأخريان هما شركة التأمين والسفر البريطانية التي تركز على المتقاعدين، ساجا، وشركة كريستال كروز التي يوجد مقرها في ميامي. في الوقت نفسه، قالت شركة رويال كاريبيان أيضا إنها تخطط لتقديم رحلات بحرية "كاملة التطعيم" للإسرائيليين فقط، اعتبارا من أيار (مايو) بسبب تقدم البلاد في السباق لتطعيم سكانها.
يقول نيك ستيس، الرئيس التنفيذي لأعمال السفر في شركة ساجا، إن استطلاعا أظهر أن 97 في المائة من الزبائن يدعمون فكرة أن يكون جميع الركاب قد تلقوا اللقاح. "لم أؤمن بذلك تقريبا في البداية لأنه بدا كأنه تصويت من الحقبة السوفياتية. (اللقاحات) تمنح حقا الضوء الأخضر لاستئناف الرحلات البحرية".
لكن على الرغم من أن مثل هذه التدابير تطمئن الزبائن، إلا أن الوباء أدى فيما يبدو إلى تسارع اتجاه موجود بالفعل للتنويع في السفن البحرية، خاصة إلى سفن أصغر وأكثر فخامة.
السفن الضخمة، مثل السفينة سيمفوني أوف ذا سيز Symphony of the Seas التابعة لشركة رويال كاريبيان، التي يمكن أن تحمل 8880 شخصا من الركاب والطاقم، وفيها 23 حوض سباحة، و18 طابقا وفيها لعبة Laser Quest، استحوذت على الخيال العام بفضل حجمها الهائل الذي أثار اهتماما إيجابيا وسلبيا في آن معا. لكن هذه السفن الضخمة تشكل بصورة متزايدة طرفا واحدا من سوق أكبر بكثير وأكثر استقطابا. من السفن البالغ عددها 20 والمتوقع إطلاقها هذا العام، سبعة فقط ستنقل أكثر من 700 راكب.
يقول توماس، "سيستمر استخدام السفن الضخمة في المياه. هناك الكثير من الاستثمار فيها، (شركات الرحلات البحرية) تحتاج إلى جعلها تعمل". لكنه يضيف أن الأزمة أجبرت شركات الرحلات البحرية الكبيرة على تأجيل مواعيد تسليم السفن الجديدة، ما يسمح "بوجود فرصة واحدة أو اثنتين لفتحات في أحواض بناء السفن كانت مليئة بالعمل"، ما يحتمل أن يوفر بالتالي مساحة لبناء المزيد من السفن المتخصصة.
وفقا لأحد مستشاري الصناعة، تقوم ثلاث شركات على الأقل، لديها علامات تجارية قائمة بالفعل في قطاع السفر، بوضع خطط - سرية حاليا - لدخول سوق الرحلات البحرية، للاستفادة من الفجوات في جدول الإنتاج. التحدي الذي يواجه الشركات الجديدة وشركات تصميم السفن يتمثل في تحديد ما يريده الزبائن، خاصة المسافرون الجدد، بعد خمسة أعوام عندما يتم أخيرا بناء سفينة، كما يقول لورينزو مورتولا، مدير مشاريع في الشركة الإيطالية لتصميم سفن الرحلات البحرية Gem، التي تعمل على سفن شركة فيرجين. "لا تريد أن تصل هذه السفن إلى السوق وهي تبدو قديمة".
يقول مورتولا إن الاتجاه الأكبر في الأعوام الأخيرة هو للسفن الاستكشافية المتطورة المصممة للوصول إلى السواحل البعيدة. كانت الشركة النرويجية للرحلات البحرية هيرتجروتن Hurtigruten المملوكة لشركة الأسهم الخاصة تي دي آر كابيتال TDR Capital، رائدة في هذه الشريحة. أطلقت في 2019 السفينة مس روالد أموندسن MS Roald Amundsen، وهي أول سفينة استكشاف كهربائية هجين، تلتها في العام الماضي سفينة هجين ثانية، مس فريتجوف نيسن MS Fridtjof Nansen. تتسع كل منها لـ530 ضيفا.
شركة سيبورن تحذو حذوها، حيث تبني سفينتين من سفن الاستكشاف الفاخرة، من المقرر إطلاق أولهما هذا العام. ستبدأ أسعار الرحلات الأولية، التي ستسير بمحاذاة الساحل النرويجي حتى أقصى نقطة إلى الشمال، من 12899 جنيها استرلينيا. توجد على متنها زوارق الكاياك البحرية، وتلسكوبات، وغواصتان تعملان بأقصى طاقة لكي يشاهد الركاب الحياة البحرية تحت الماء.
يقول جوش ليبويتز: "بالنسبة لأي شخص كان في رحلة سفاري، فإن الرحلة الاستكشافية هي رحلات السفاري في المحيط". رئيس سيبورن، الذي تولى منصبه في حزيران (يونيو) من العام الماضي في خضم إغلاق الصناعة، واثق بآفاق خط شركته. رغبة ما بعد الجائحة في الابتعاد عن الحشود والمدن المزدحمة تفضل مشغلي السفن الأصغر التي تزور المزيد من الوجهات غير المألوفة. تتمتع سيبورن بمستويات قياسية من الحجوزات في مسارات الرحلات البحرية العالمية في 2022 و 2023 ـ يشتري الضيوف الأجنحة الأعلى سعرا. يقول: "مما نراه (يتضح) أن المستهلكين قد وفروا. وقد فاتهم أكثر من عام من فترة سفرهم. تباع أجنحتنا الراقية بأسرع ما يمكن".
استهدف آخرون شريحة أكثر حصرية من السوق. من المقرر أن تبحر السفينة إميرالد أزورا Emerald Azzurra الجديدة في رحلتها الافتتاحية في كانون الثاني (يناير) 2022، وريتز كارلتون إيفريما Ritz- Carlton Evrima تبحر في رحلتها الأولى من البندقية في تموز (يوليو)، وهي مصممة لتشبه اليخوت الفاخرة الخاصة بدلا من الحدائق الترفيهية العائمة. لا يستوعب أي منهما أكثر من 300 ضيف، وهناك منتجعات صحية واسعة وأجنحة مع شرفات خاصة تأتي ضمن السعر العادي.
نظرا لأن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها لم تحدد حتى الآن موعدا لاستئناف الرحلات البحرية في المياه الأمريكية، فإن كثيرا من خطوط الرحلات البحرية تدور حول مسارات رحلاتها، للإبحار حصريا في منطقة البحر الكاريبي بدلا من البدء من ميامي، أو الانتقال إلى أوروبا ووجهات أخرى. وبالنظر إلى عدم اليقين المستمر بشأن السفر الداخلي، يقدم كثيرون "رحلات إقامة" في دولة واحدة. سفينة كوين إليزابيث التابعة لشركة كونارد وسفينة بريتانيا من شركة P&O هما من بين عدد كبير من السفن التي ستبحر في المياه البريطانية هذا الصيف - أبلغت P&O الأسبوع الماضي عن طلب "هائل" على رحلاتها البحرية المحلية.
في غضون ذلك، أعلنت شركة فيرجن عن إطلاق سفينتها الثالثة، التي ستبحر في أنحاء البحر الأبيض المتوسط مع التركيز على الجزر اليونانية. قالت الشركة إن العام كان عام "الشدائد والتكيف بالنسبة لنا جميعا" وكشفت عن اسم مناسب للسفينة الجديدة: ريسليانت ليدي Resilient Lady.

الأكثر قراءة