رغم اتهامات التلاعب .. الاقتصاد السويسري يراهن على تراجع الفرنك لاستعادة جزء من بريقه

رغم اتهامات التلاعب .. الاقتصاد السويسري يراهن على تراجع الفرنك لاستعادة جزء من بريقه
رغم اتهامات التلاعب .. الاقتصاد السويسري يراهن على تراجع الفرنك لاستعادة جزء من بريقه
الاقتصاد السويسري انكمش خلال العام الماضي 2.9 في المائة.

عند الحديث عن اقتصاد مستقر بعملة قوية وملاذ آمن لرؤوس الأموال، على أن يكون لاعبا رئيسا في الصناعة المصرفية العالمية، فربما تكون سويسرا هي الدولة الأولى، وربما الوحيدة التي تقفز إلى الذهن وتتحقق جميع تلك النقاط.
رغم ذلك لم تنج سويسرا من التداعيات الاقتصادية الرهيبة التي أصابت الاقتصادات الأوروبية نتيجة وباء كورونا. فالأزمة الصحية دفعت النشاط الاقتصادي إلى التراجع الشديد، وفي الربع الثاني من العام الماضي تقلص الاقتصاد السويسري بنسبة 8.2 في المائة، بينما انكمش خلال العام الماضي بأكمله بنسبة 2.9 في المائة وفقا لتقديرات البنك الدولي.
وعلى الرغم من أن هذا المعدل هو الأسوأ منذ عام 1975، إلا أن الاقتصاد السويسري يظل في وضعه أفضل كثيرا مقارنة بالاقتصادات الأوروبية المتقدمة الأخرى، إذ تراجع الاقتصاد الفرنسي بنسبة 8.2 في المائة، والألماني 4.9 في المائة، وإيطاليا 8.9 في المائة والمملكة المتحدة 9.9 في المائة.
ويرى جاك أويفر الخبير الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن الأداء العام للاقتصاد السويسري لم يكن سيئا، وأن الحكومة نجحت - من خلال التمويل العام وجهود قطاع الصناعات التصديرية، والقطاع المالي، ونظام الرعاية الصحية المتطور، إضافة إلى الإنفاق الطارئ الذي قدر بـ10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - في تقديم دعم مالي للأسر والشركات في الحد من التباطؤ الاقتصادي الناجم عن الوباء.
وقال لـ"الاقتصادية"، "رغم تفشي فيروس كورونا ظلت سويسرا قادرة على استقطاب الشركات الأجنبية خلال العام الماضي، وأنشأت 220 شركة أجنبية مكاتبها في سويسرا، وبالطبع هذا العدد يقل عن عام 2019 بنحو 9 في المائة، لكنه كان كفيلا بتوفير وظائف جديدة بنسبة 11 في المائة مقارنة بالعام قبل الماضي، وسط توقعات بأن تقدم تلك الشركات مزيدا من الوظائف في الأعوام الثلاثة المقبلة".
تبدو التوقعات المستقبلية لنمو الاقتصاد السويسري إيجابية، إذ ينمو الاقتصاد السويسري عادة بنسبة 1.7 في المائة، وبينما يتوقع صندوق النقد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5 في المائة هذا العام، فإن بعض المسؤولين الاقتصاديين أشاروا إلى زيادة تقدر بـ4 في المائة هذا العام والعام المقبل، وتلك النسبة أعلى من التوقعات السابقة التي كانت تقف عند حدود 3 في المائة في عام 2020 و3.1 في عام 2021.
ربما تعود تلك النظرة الإيجابية المتوقعة لأداء الاقتصاد السويسري مستقبلا إلى التحسن الملحوظ في الإنفاق الاستهلاكي للمواطنين، فخلال عام 2020 انخفض الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير حيث اضطرت المتاجر والمطاعم والكافيهات إلى إغلاق أبوابها، كما ارتفعت معدلات البطالة وبلغت في شهر يناير الماضي 3.7 في المائة، وذلك أعلى مستوى لها منذ عقود.
مع هذا فإن الدكتور مارك إيدسون أستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة بروملي، يرى أن بعض جوانب القصور قد تضعف قدرة الاقتصاد السويسري على الاندفاع إلى الأمام كما هو متوقع خلال العام الجاري.
وأوضح لـ"الاقتصادية"، "ستظل الحسابات العامة في حالة عجز بعد أن تدهورت بشدة العام الماضي نتيجة الإجراءات الحكومية لدعم الأسر والشركات، ولم تتخلص سويسرا تماما من فيروس كورونا، ما يعني تمديدا محتملا لتدابير الدعم على الأقل في النصف الأول من عام 2021، لكن يلاحظ أن الدين العام سيستقر في سويسرا كما في الاقتصادات المتقدمة عند مستوى منخفض، وذلك لأن تكاليف الديون ستظل منخفضة لبعض الوقت نتيجة انخفاض أسعار الفائدة".
وفي الواقع فإن الحكومة السويسرية تراهن على أن تغير سعر صرف الفرنك السويسري في مواجهة الدولار الأمريكي سيلعب دورا إيجابيا لاستعادة الاقتصاد الوطني جزءا من بريقه السابق. فالفرنك يواصل خسارة قواته أمام الدولار، ومنذ بداية العام فقد الفرنك السويسري نحو 6 في المائة من قيمته أمام الدولار نصفها تقريبا حدث في شهر آذار (مارس) حيث انخفض في مواجهة الدولار بنسبة 2.90 في المائة، كما انخفض الفرنك السويسري أيضا مقابل اليورو، وتراجع أخيرا إلى أدنى مستوى له في 20 شهرا أمام اليورو.
ولا شك أن هذا التراجع يعد بمنزلة أخبار سارة لمحافظ البنك الوطني السويسري، الذي يفضل - بلا شك - فرنكا ضعيفا لزيادة الصادرات السويسرية.
لكن فرانشسكو ماير المحلل المالي في بورصة لندن يقول لـ"الاقتصادية"، "إن كثيرا من الاقتصادات المتقدمة تحديدا الولايات المتحدة لا تشعر بالارتياح لتراجع الفرنك السويسري، والعام الماضي أنفق البنك الوطني السويسري 110 مليارات فرنك أي نحو 109 مليارات دولار للحد من ارتفاع قيمة الفرنك السويسري عبر شراء كميات هائلة من الدولارات".
ويضيف، "إلا أن وزارة الخزانة الأمريكية انتقدت ذلك وعدته تلاعبا بالعملة، وأشارت إلى تدخل البنك المركزي السويسري في أسواق العملات، كما أن البنك الوطني السويسري يحافظ على سعر الفائدة الرئيس عند حدود -0.75 في المائة أي أن معدل الفائدة سلبي، ولا يتوقع أن يدخل عليها تعديل، فمعدل التضخم في ديسمبر الماضي كان "صفر" في المائة، وأدخل البنك الوطني تعديلا أخيرا ليكون معدل التضخم المتوقع 0.2 في المائة، لذلك لا توجد ضغوط حقيقية عليه لتعديل أسعار الفائدة في المستقبل المنظور، ما يعني أن الفرنك ربما يواصل الهبوط في مواجهة الدولار".
على أي حال يتوقع أن تواصل وزارة الخزانة الأمريكية انتقادها لسويسرا، متهمة إياها بالتلاعب بسعر الفرنك، لكن من غير المرجح أن تتخذ إجراءات مضادة.
ويدفع ذلك بالبنك الوطني السويسري إلى توقع أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي بين 2.5 و3 في المائة هذا العام، حتى مع الانخفاض المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام الجاري، ما يؤدي إلى عودة النشاط الاقتصادي إلى المستوى السابق لتفشي فيروس كورونا في النصف الثاني من عام 2021، خاصة مع احتمال زيادة الصادرات السويسرية نتيجة استمرار تعافي الاقتصاد العالمي من الانهيار الذي تسبب فيه كورونا.

الأكثر قراءة