الركود في أمريكا الوسطى يدفع أهلها باتجاه الولايات المتحدة
ينحدر جوكسان أفيليس دياز من بلدة تسمى إل بروجريسو - تعني التقدم - لكن بالنسبة إليه، لم تكن كذلك أبدا. دفعته البطالة إلى مغادرة هندوراس في عام 2019 والتوجه إلى الولايات المتحدة. قال: "لم يكن لدي عمل منذ أعوام"، وهو لا يزال عالقا على الجانب المكسيكي من الحدود بعد ذلك بعامين.
عززت محنة أشخاص مثل أفيليس سمعة أمريكا الوسطى في الفقر والمعاناة. يأتي أفيليس من أطراف "الممر الجاف" حيث أدى الجفاف، إضافة إلى العنف والفقر والابتزاز، إلى دفع عشرات الآلاف من العائلات اليائسة مما يسمى المثلث الشمالي الواقع بين هندوراس وجواتيمالا والسلفادور، إلى محاولة دخول الولايات المتحدة عبر المكسيك.
زادت المعابر الحدودية غير المصرح بها إلى الولايات المتحدة من المكسيك هذا العام إلى ما يقارب أعلى مستوياتها منذ 20 عاما. يشكل هذا مشكلة سياسية حادة للرئيس جو بايدن، الذي طلب من نائبته كامالا هاريس التعامل مع الأزمة وخصص أربعة مليارات دولار لمساعدة المثلث الشمالي. ومن غير الواضح كيف سيتم إنفاق هذا المبلغ.
قالت هاريس في مؤتمر إقليمي هذا الشهر: "نريد مساعدة الناس على إيجاد الأمل في الوطن" في الوقت الذي تركز الولايات المتحدة بدرجة أقل على المنع، مما كانت في عهد دونالد ترمب، وأكثر على تمويل التنمية. أضافت: "لذا نركز على معالجة كل من العوامل الحادة والأسباب الجذرية للهجرة".
منذ نهاية الحروب الأهلية في أمريكا الوسطى في الثمانينيات، ظل النمو الاقتصادي في المنطقة يتراجع باستمرار عن بقية أمريكا اللاتينية. على مدار الـ30 عاما الماضية، بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مستوى متدنيا بلغ 1.2 في المائة سنويا في المثلث الشمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي.
اتفاقية التجارة الحرة لعام 2004 مع الولايات المتحدة، والمعروفة باسم "كافتا دي آر" Cafta-DR ، تهدف إلى زيادة الوصول إلى السوق الرئيسة في أمريكا الشمالية، وهناك اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في عام 2012، تهدف إلى تعزيز التجارة. ارتفعت الصادرات من أمريكا الوسطى بنسبة متواضعة تبلغ 6 في المائة سنويا في المتوسط خلال الفترة 1991 ـ 2017. لكن بينما ازدهرت كوستاريكا وبنما، أفضل دولتين أداء في المنطقة، على خلفية السياحة البيئية والخدمات المالية على التوالي، أثبتت المكاسب في المثلث الشمالي ونيكاراجوا أنها بعيدة المنال.
"أمريكا الوسطى لديها كافتا لكن رغم ذلك، لم تتمكن من المضي قدما"، حسبما قالت لورا شينشيلا، التي شاركت في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لجمهورية الدومينيكان وأمريكا الوسطى والولايات المتحدة ولاحقا، باعتبارها رئيسة لكوستاريكا، كانت أحد الموقعين على اتفاقية التجارة الإقليمية مع الاتحاد الأوروبي.
بالنسبة إلى كوستاريكا، كانت "كافتا" تعني قفزة نوعية في الصادرات وجذب الاستثمار. ولكن ليس لنيكاراجوا وهندوراس والسلفادور وجواتيمالا .
هذه البلدان الأربعة تحتوي على الجزء الأكبر من سكان المنطقة وأكثر بقليل من نصف الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، لكنها البلدان ذات الدخل الأقل، وفقا للبنك الدولي. إنها منكوبة بالفساد والإفلات من العقاب وعنف العصابات وضعف سيادة القانون. يقول الخبراء إن حكوماتها لم تستثمر سوى القليل جدا في التعليم والبنية التحتية.
قال ريكاردو كاستانيدا، كبير الاقتصاديين في معهد أمريكا الوسطى للدراسات المالية، وهو مركز أبحاث "لم تكن الحكومات في المنطقة قادرة على توفير الفرص للناس ليصبحوا مزدهرين لأنها ببساطة ليست لديها خطط للتنمية".
كان المدافعون عن "كافتا" يأملون في أن تؤدي زيادة في التجارة مع الولايات المتحدة إلى توفير وظائف وأجور أفضل بعد اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية عام 1994 التي عززت وضع المكسيك مركز تصنيع على الرغم من أنها لم تحقق التنمية على الصعيد الوطني.
قال إريك فارنسورث، نائب رئيس مجلس الأمريكتين: "لم تعمل كافتا دي آر على النحو المنشود لأسباب مختلفة: لقد اعتبرت (...) وسيلة لضمان الوصول إلى السوق الأمريكية بدلا من الاندماج فيما بينها، ولم تتوافق بشكل فعال مع اتفاقية نافتا (...) وخلال المفاوضات، قيدت الولايات المتحدة واردات عدد من المنتجات حيث كانت المنطقة شديدة التنافسية".
في الواقع، يبدو أن الولايات المتحدة استفادت إلى حد أكبر بكثير من المثلث الشمالي: صادرات السلع الأمريكية إلى جواتيمالا في عام 2019 ارتفعت 140 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل "كافتا"، في حين ارتفعت صادرات جواتيمالا إلى الولايات المتحدة 27 في المائة فقط في تلك الفترة، حسبما تظهر البيانات الرسمية الأمريكية. كان الارتفاع في الصادرات الأمريكية إلى جواتيمالا أعلى ثلاث مرات من صادرات جواتيمالا إلى الولايات المتحدة.
الصادرات المرتفعة جلبت فرص عمل، لكن معظم الوظائف كانت منخفضة الإنتاجية ومنخفضة الأجر ولم يكن هناك ما يكفي: أكثر من 600 ألف شاب سنويا في المنطقة يطاردون 250 ألف وظيفة جديدة فقط في القطاع الرسمي، وفقا للأمم المتحدة. لذلك "بدلا من أن تكون ناجحة وتصدر السلع والخدمات، كما فعلت كوستاريكا، صدرت هذه البلدان مواطنيها"، حسبما قال شينشيلا.
قال ريكاردو زونيجا، مبعوث بايدن الخاص للمثلث الشمالي، في ندوة عبر الإنترنت لمجلس الأمريكتين أخيرا: "منذ عام 2009 تقريبا، نهض ما يقارب 1 في المائة من سكان المثلث الشمالي وتنقلوا كل عام. ليست هناك فرصة على الإطلاق لنكون قادرين على التعامل مع (...) هذه المشكلة التي طال أمدها ما لم نوجد فرص عمل في أمريكا الوسطى".
لكن مع توقع انخفاض حجم السكان في سن العمل بشكل حاد في أمريكا الوسطى بحلول عام 2035، حذر البنك الدولي في تقرير جديد من أن البلدان ستحتاج إلى زيادة الإنتاجية والاندماج في سلاسل التوريد في أمريكا الشمالية لضمان نمو قوي.
بالنسبة إلى كثير من الشركات في المنطقة، هذه مهمة صعبة. معظمها شركات متناهية الصغر أو صغيرة ودون قدرة على المنافسة. قال كاستانيدا: "يبدو الأمر كما لو كانوا في سباق الفورمولا وان ولكن على دراجة دون عجلتين".