الاحتفال بذكرى 4 شوال 1319هـ
لا شك أن اليوم الرابع من شوال 1319هـ، الموافق الثاني من كانون الثاني (يناير) 1902، ذكرى عزيزة علينا جميعا نحن السعوديين، وهي ذكرى دخول الملك عبدالعزيز ورجاله الأبطال إلى قلب العاصمة الرياض، المدينة المبجلة، وإعلان المنادي بأن عهدا جديدا مشرقا قد بدأ، وأن الملك لله، ثم للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. إن هذه الذكرى الغالية تحين علينا في هذه الأيام المباركة، وأتمنى أن نحتفل بها في كل عام، وأن نجعل هذا التاريخ من أيامنا الوطنية التي نحتفل بها سنويا.
في مثل هذا اليوم، استطاع الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ورجاله الأشاوس، اقتحام سور الرياض والدخول إلى قلب المدينة والاشتباك مع الحامية العسكرية التي كانت تربض فيها، لكن الله - سبحانه وتعالى - كتب للملك عبدالعزيز ورفاقه، النصر المؤزر واستعادة مدينة الآباء والأجداد، والسيطرة الكاملة على كل مفاصلها وحدودها. ويجب أن نتذكر بأنه حينما أسس الملك عبدالعزيز هذا الوطن الغالي الأثير إلى نفوسنا جميعا في الرابع من شوال 1319هـ، الموافق الثاني من كانون الثاني (يناير) 1902، وعد الأمة بأن دعائم الوطن تقوم على مبادئ الدين الإسلامي الأقوم، وعلى هدي كتاب الله الكريم والسنة المحمدية الغراء.
وكانت السعودية هي الدولة العربية المستقلة الوحيدة، التي تشرع قوانينها على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وأن الملك عبدالعزيز، ما فتىء يقول "لا يسن قانون أو نظام إلا وفقا لمبادىء الدين الحنيف". واليوم يمر نحو 123 عاما على تأسيس المملكة، ونجح الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في إقامة دولة عصرية حديثة عمرت الصحراء، ونشرت الاستقرار والبناء في ربوع جزيرة العرب، حتى أصبحت المملكة تقف جنبا إلى جنب مع الدول الكبرى في تنميتها الاقتصادية ومشاريعها الحيوية الحديثة، وتحتل مقعدها الوثير في مجموعة العشرين كقطب من أقطاب العالم، وتقود منطقة الشرق الأوسط وتتقدم نحو ترسيخ مبادئ الدولة العصرية المستقرة، وتنجح في تأسيس دعائم الأمن والسلم في منطقة كانت حبلى بكثير من الخلافات والمشكلات السياسية الساخنة. واليوم، لا يتوقف دور المملكة عند بناء الدولة الحديثة، بل يتعداه إلى الإسهام في بناء المجتمع الدولي ودعم مبادئ الاستقرار والأمن والسلم في جميع أنحاء العالم. ولذلك، فإن حكومات المملكة ترى أن ظاهرة الإرهاب لا تساعد الدول على نشر الاستقرار والأمن في ربوع العالم، وترى أن محاربة الإرهاب بالمواجهة المسلحة لا تجدي، بل يجب محاربة الإرهاب بالفكر أولا حتى يتم إقتلاعه من جذوره، ولذلك أعلنت المملكة - بأسلوب سعودي شفاف وذكي - مشروع المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، بشعار "مقارعة الفكر المغلوط بصحيح الفكر المستنير".
ومن خلال هذا المركز العالمي، تعلن السعودية رسالتها العظمى الهادفة إلى محاربة التطرف في كل أنحاء العالم. وفي هذا الصدد، قال الدكتور ناصر البقمي الأمين العام للمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، في احتفالية افتتاح المركز، "يأتي تأسيس هذا المركز العالمي استكمالا للجهد الكبير الذي بذلته الدول الإسلامية طيلة العقود الماضية في حربها على الإرهاب والفكر المتطرف، وذلك استشعارا منها لما تمثله محاربة هذا الفكر الدخيل من أولوية قصوى للمسلمين والعالم بأسره".
ويرى الدكتور البقمي، أن المركز يقوم على ركائز أساسية في مكافحة التطرف بأحدث الطرق والوسائل، فكريا وإعلاميا ورقميا، بما يمكننا من مكافحة الأنشطة المتطرفة في الفضاء الرقمي، وكذلك يمكننا من تفنيد خطاب الإقصاء، وترسيخ مفاهيم الاعتدال، وتقبل الآخر، إضافة إلى صناعة محتوى إعلامي يتصدى للفكر المتطرف بهدف مواجهته، وكشف دعايته الترويجية. ولذلك، فإن المركز يضم عددا من الخبراء الدوليين المتخصصين والبارزين في مجال مكافحة الخطاب الإعلامي المتطرف على جميع وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الإلكتروني، كما يعمل المركز بمختلف اللغات واللهجات الأكثر استخداما لدى المتطرفين، كما يجري تطوير نماذج تحليلية متقدمة لتحديد مواقع منصات الإعلام الرقمي، وتسليط الضوء على البؤر المتطرفة، والمصادر السرية الخاصة بأنشطة الاستقطاب والتجنيد. وواضح أن المركز العالمي يستهدف القضاء على التطرف والإرهاب، لأن الإرهاب هو الجذر الأساس لكل سلوك إجرامي يسعى إلى تدمير الحضارة البشرية، وتفكيك روابطها الإنسانية، ونشر الفوضى والدمار في كل مكان من العالم. وقد قام المركز على تطوير برمجيات مبتكرة وعالمية المستوى، قادرة على رصد وتحليل وتصنيف أي محتوى متطرف، وبدرجة غير مسبوقة من الدقة، وتعمل بجميع اللغات واللهجات، كذلك يجري العمل حاليا على تطوير نظم ذكاء اصطناعية متقدمة لتحديد المواقع الجغرافية التي تحتضن بور وحواضن الفكر المتطرف، كذلك تقوم البرمجيات بصناعة إعلام ومحتوى محترف يكافح التطرف، وينشر التسامح والاعتدال.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن المملكة انطلاقا من مسؤوليتها - كدولة عضو في مجموعة العشرين - تبنت مشروع تخضير جزء كبير من الأرض في السعودية وفي منطقة الشرق الأوسط، حتى تسهم في القضاء على مشكلة التصحر، وكان لهذا القرار أصداء إيجابية في كل مكان من العالم، وغير ذلك كثير مما تقوم به المملكة ويستهدف نشر السلام والاستقرار في ربوع العالم.
وهكذا، فإن تاريخ بداية تأسيس المملكة بدأ بضوء ينشد بناء دولة عصرية تقوم على مبادئ ترسيخ الاستقرار، وتعمير الصحراء بانتهاج الأنظمة والمفاهيم الاقتصادية التنموية الحديثة، ونشر الأمن والسلم الدوليين في المنطقة. ويتواصل تاريخ المملكة منذ تأسيسها في الرابع من شوال 1319هـ، الموافق الثاني من كانون الثاني (يناير) 1902 حتى اليوم، وإلى ما شاء الله، على طريق حماية كوكب الأرض ودعم الاستقرار ونشر السلم والأمن في ربوع العالم.