واشنطن ومانيلا .. هل ثمة تغيير في عهد بايدن؟
المعروف أن الفلبين تعد واحدة من أقدم الشركاء والحلفاء الاستراتيجيين الآسيويين للولايات المتحدة خارج منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بل تعد الدولة الآسيوية الأولى التي وقعت معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن عام 1951. لكن علاقات البلدين شابها كثير من التعقيدات غير المسبوقة خلال عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، حينما راحت إدارة الأخير تنتقد بشدة الرئيس الفلبيني الحالي رودريجو دوتيرتي في موضوع حقوق الإنسان على خلفية الحرب التي أعلنها دوتيرتي ضد مافيات المخدرات منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى الحكم في حزيران (يونيو) سنة 2016. وهو ما دفع الأخير إلى إطلاق أوصاف مهينة بحق أوباما.
وحينما وصل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض عام 2016 خلفا لأوباما، نشأ وضع جديد كان من أهم تجلياته إعجاب ترمب ودوتيرتي ببعضهما بعضا إلى درجة أن البعض أطلق على دوتيرتي لقب ترمب الآسيوي كناية عن تشابههما في إطلاق التصريحات النارية الشعبوية البعيدة عن التقاليد الدبلوماسية، خصوصا بعد المكالمة الهاتفية بين الرجلين عام 2017 التي قال فيها ترمب لنظيره الفلبيني: "أردت فقط تهنئتك، لأنني سمعت عن عمل رائع تقوم به في مشكلة المخدرات"، مضيفا: "كان لدينا رئيس سابق "أوباما" لم يفهم ذلك، لكني أتفهم ذلك".
غير أن العلاقات الأمريكية - الفلبينية في عهد ترمب رغم كلمات الإعجاب تلك، ورغم قيام إدارة ترمب بتقديم دعم فني ولوجستي للقوات الفلبينية خلال حربها ضد مجموعات داعشية متطرفة في مدينة ماراوي عام 2017 لم تخل أيضا من بعض التعقيدات، التي لم تصل إلى درجة القطيعة لكنها فجرت مواضيع خلافية.
فعلى حين أبدت إدارة ترمب قلقها من تقرب حليفتها الفلبينية للصين وروسيا، وأقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانونا يحظر على ساتو ديلا روزا رئيس الشرطة الفلبينية السابق وعضو مجلس الشيوخ الحالي السناتور دخول الأراضي الأمريكية، بسبب إشرافه على الحملة المثيرة للجدل ضد عصابات المخدرات، وما ارتكب على هامشها من تجاوزات، ارتفع صراخ دوتيرتي ضد القرار السيادي الأمريكي وعده بمنزلة إهانة لبلاده، بل راح أبعد من ذلك حينما هدد في كانون الثاني (يناير) 2020 بإنهاء الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين مانيلا وواشنطن عام 1951، بما في ذلك ملحقاتها التي وقعت عام 2014 وشملت بنودا جديدة تتيح للقوات الأمريكية استخدام المنشآت العسكرية الفلبينية وبناء أخرى جديدة مع حرية تحريك عناصرها وإعادة تموضعها، فضلا عن قيامه برد الدعوة التي وصلته للمشاركة في لقاء القمة بين الرئيس الأمريكي وقادة دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية التي كان من المقرر انعقادها في لاس فيجاس في مطلع آذار (مارس) 2020.
والسؤال المطروح اليوم هو هل سيعود الرئيس جو بايدن إلى سياسات باراك أوباما ضد الفلبين ورئيسها دوتيرتي؟ بمعنى هل سيعود بايدن إلى رفع لافتة حقوق الإنسان مجددا في وجه نظيره الفلبيني المنتظر تقاعده عام 2022 الذي بات يخشى من المساءلة دوليا؟.
يعتقد المراقبون أن بايدن سيتبنى مواقف أكثر حذرا وواقعية في تعامله مع قادة الدول الآسيوية الحليفة المشاكسين من أمثال دوتيرتي في مانيلا من أجل قطع الطريق على تقربهم من الصين، خصوصا أن بايدن ليس في وارد التخلي كليا عن السياسات الترمبية إزاء بكين، بل يتوقع منه أن يبني عليها بعد أن رسخ ترمب، على مدى الأربعة أعوام الماضية، في أذهان الأمريكيين فكرة خطورة الصين على المصالح الوطنية العليا للولايات المتحدة. ومما يجدر بنا الإشارة إليه في هذا السياق أن بايدن كان سابقا من المؤيدين للانخراط الاستراتيجي مع الصين، لكنه في حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض اتخذ موقفا متشددا منها، بل شجبها ووصفها بالديكتاتورية على حد قوله. ومما قيل: إن بايدن قد يلجأ مرحليا إلى ضخ بعض المساعدات للفلبين كي يمكنها من التغلب على وباء كورونا المتفشي فيها وما أحدثه من أضرار وفوضى اقتصادية، مستهدفا بذلك منافسة الصين التي بدأت فعلا بضخ المساعدات الطبية والاقتصادية إلى الجسد الفلبيني المنهك، ومستهدفا في الوقت نفسه تليين مواقف دوتيرتي بخصوص اتفاقية القوات الزائرة المعروفة اختصارا بـ VFA التي يمكن إلغاؤها من طرف مانيلا في حال عدم التوصل إلى حل دبلوماسي نهائي بشأنها.
وجملة القول: على واشنطن التعامل مع حليفتها الآسيوية الأقدم بحكمة وترو كي لا تخسرها في هذا التوقيت الصعب الذي تشتد فيه المنافسة بينها وبين بكين على كسب الحلفاء ولا سيما في جنوب آسيا والشرق الأقصى.