خيبات الأمس واليوم
ما تتعرض له المملكة ورؤيتها من هجوم خلال الأعوام الأخيرة، ليس جديدا. مع نهاية السبعينيات، طبق خصوم المملكة استراتيجيات متعددة لتحقيق غاياتهم. من هذه الأمور التدليس في مفهوم الأمة والوطن. أسفر هذا التدليس عن ظهور أناس يرون البوسنة والشيشان وتركيا وفلسطين وأفغانستان أقرب لهم من وطنهم الأم. مثل هذا الشذوذ الفكري برز بمنتهى الحدة عام 1990 فور احتلال الكويت. فجأة بدأت بعض الأصوات تنحاز للفكرة الديماغوجية التي روجها النظام العراقي أن تحرير فلسطين يتم عبر احتلال الكويت.
هذه الفكرة التافهة، واكبها معارضة علماء وشيوخ خليجيين وعرب لتحرير الكويت. المملكة عدت أن تحرير الكويت أولوية واستضافت أراضيها قوات أمريكية وأجنبية من مختلف دول العالم. كان أنصار هذا الشذوذ الفكري يرفضون الاستعانة بالقوات الأجنبية. خاضت المملكة إلى جانب المعارك السياسية والعسكرية، معارك فكرية وإعلامية.
في ذلك الحين كان من الأصوات الإعلامية والفكرية البارزة الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- الذي كان يكتب في صحيفة الشرق الأوسط زاوية تحمل اسم في عين العاصفة. وكان محمد عبده يشدو بكلمات قصائد القصيبي التي تتصدى للغلاة من المتدينين والقومجية. كان هناك أيضا الشاعر الجميل الأمير بدر بن عبدالمحسن وآخرون. وقتها أصدرت الكويت عددا من صحفها من داخل المملكة. وكان هناك صحيفة الظهيرة، وهي صحيفة بحجم التابليود أصدرتها الشركة السعودية للأبحاث لمتابعة ما يستجد من أحداث لا تتمكن طبعات الصحف اليومية من ملاحقتها. دول عدة انحازت للمحتل العراقي، وزعامات معروفة، بعضهم استمر والبعض الآخر تراجع بعدما ظهر أن رهاناتهم لم تكن سوية. تغيرت الوجوه والسحنات ولم يتغير الحقد والخصومة ضد المملكة ومصر ودول خليجية عدة.
أشعر بحزن عندما أجد أن بعض الجيل الجديد في المملكة والكويت والمنطقة العربية يكررون أخطاء الماضي، ويتبنون أفكارا تستهدف بلدانهم وأمنها واستقراراها. هؤلاء لم يخبرهم أحد عن مرارات ومآسي احتلال الكويت، ولا عن مواقف بعض العرب تجاههم. ولم يتعلموا أيضا من خيبات الربيع العربي.