الاستثمار في السياحة الجبلية
في الخامس من كانون الأول (يناير) 2021 عقدت في محافظة العلا القمة الخليجية الـ 41 التي رأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكانت - كما قال ولي العهد - قمة جامعة للكلمة، وموحدة للصف، ومعززة لمسيرة الخير والازدهار. وتتميز محافظة العلا بإرثها التاريخي العظيم، وطبيعتها الجبلية الساحرة، وتحتوي مدينة العلا التاريخية على موقع الحجر الأثري أول موقع أثري سعودي يسجل في منظمة اليونيسكو العالمية ضمن قائمة التراث العالمي. والواقع أن المنطقة ترتبط بمشروع البحر الأحمر السياحي العالمي، الذي سبق أن أعلنه ولي العهد ضمن مشاريعه العملاقة غير التقليدية لتنويع مصادر الدخل الوطني وترتبط بمشروع نيوم العملاق. لكن في هذا المقال سأفرد حديثي عن الاستثمار في السياحة الجبلية، وهي الجانب الفرعي من مشروع البحر الأحمر السياحي العالمي الذي يتضمن تطوير السواحل الشمالية مترامية الأطراف.
إن الجبال الواقعة بالقرب من خيبر والعلا تعدان منابع سيلان وادي الرمة الشهير الذي تبدأ منابعه من جبلي أبيض والقدر، وتتميز هذه الجبال بمسارات صخرية للأودية والشعاب التي تبدأ من أعالي هذه الجبال على ارتفاع 2000 متر تقريبا متجهة شرقا لتصب في وادي الرمة العظيم الذي يتصل بمنطقة القصيم، ويبحر في قلب أراضي المملكة حتى منطقة الربع الخالي، حيث تتميز التضاريس الجبلية في هذه المنطقة بإمكانية زرع شلالات صناعية تترقرق إليها مياه الأمطار التي تنهار إليها بغزارة على مدار العام.
ولقد سبق أن قام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بزيارة ميدانية لهذه المواقع الثرية حتى يقف على إمكانات الاستثمار في المنطقة من خلال سياحة ثلاثية الأبعاد السياحة الساحلية، وسياحة آثار الحضارات القديمة، ثم ما يعرف باسم السياحة الجبلية، وهي نوع من أنواع السياحة التي بدأت تلفت أنظار السياح من كل أنحاء العالم. إن البحيرات والشلالات في أعالي الجبال ستكون وجهة سياحية فريدة ورائعة لمشاريع السياحة في المملكة، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة صيفا على هذه السلسلة الجبلية التي تترامى في مناظر طبيعية باهرة تنتزع وتجذب إعجاب كل من يزور هذه المنطقة السعودية الخلابة.
وإذا كانت الجبال في خيبر والعلا هي منابع سيلان المياه إلى وادي الرمة، فإن مشاريع السياحة الجبلية في المملكة ستمتد من خيبر والعلا حتى منطقة القصيم، أي إن رقعة السياحة الجبلية سترتبط بمشروع تطوير سواحل البحر الأحمر السياحي إلى قلب المملكة في منطقة القصيم، وتتصل بوادي الرمة الذي يعد من أهم أودية الجزيرة العربية إذ يبلغ طوله أكثر من 1000 كلم، ويبدأ من مشارف المدينة المنورة من السفوح الشرقية لجبال المنطقة وسفوح الحرات المجاورة عند خط العرض 25 درجة و43 دقيقة شمالا، وخط الطول 40 درجة شرقا، ويتجه نحو الشرق حيث يمتد إلى حدود الكويت مرورا بين جبال أبانات المشهورة في منطقة القصيم، ويصب في الوادي أكثر من 600 رافد، ويعد حاليا منتزها عاما لأهالي القصيم، وغدا سيكون منتزها عاما لكل السياح والزوار من كل مكان في العالم.
إن مشاريع الاستثمارات في السياحة الجبلية يجب أن تجد اهتماما خاصا من كل مسؤول ومواطن سعودي، لأنها ستكون من ثرواتنا السياحية الواعدة. ولذلك إذا كنا قد بدأنا نهتم بالسياحة في إطار مواقع الترفيه المختلفة، فإن السياحة الدولية تهتم أكثر بالبعد الثقافي والحضاري، وهذا البعد يحتاج إلى اسـتثمارات هائلة، وبالفعل دخلنا بشيء قوي في عوالم السياحة الدولية بمشاريع ضخمة. ونطمح بوضع الخطط قصيرة وطويلة الأمد، ونعتمد الأموال اللازمة بسخاء لتطوير تراثنا الحضاري ونهيئ الفرص لكل أنواع الاستثمارات، ونسعى بكل الهمم لتسجيل مزيد من المناطق الأثرية في منظمة اليونيسكو العالمية حتى نقول للعالم، إن لدينا كثيرا من الصروح الحضارية التي تضارع صروح الآثار والحضارات العالمية في كل مكان من العالم.
إن المنافسة بين الدول على جذب السائح لم تعد أمرا سـهلا، بل أصبحت المنافسة على استقطاب السياح في سوق السياحة العالمية شديدة وقوية، فالسياحة هي صناعة وتسويق ومنافسة عالمية ضارية، ونعرف أن موارد السياحة لدى كثير من الدول في أوروبا وفي منطقتنا العربية، تعد المورد الرئيس لدخلها القومي، ونحن بدورنا يجب أن نسعى كي تكون إيرادات السياحة موردا من الموارد الرئيسة لدخلنا الوطني. إن قضية تنويع مصادر الدخل لم تعد قضية خيارية، بل أضحت - كما نصت على ذلك رؤية السعودية 2030 - من القضايا الوطنية الملحة والمطروحة بقوة في هذه الأيام في كل اقتصادات العالم.