جمال المدن
كبقية علوم الفلسفة، لا يوجد اتفاق على تعريف فلسفة الجمال أو على أفكار ثابتة لها، ويتمحور النقاش - على ندرته - حول التفريق بين علم الجمال، وفلسفته، والجماليات، لكن الخطوط العريضة تتقارب عند منطقة تشارك الحواس مع الإحساس، أي أن هناك صلة بين ما نرى، أو نشتم، أو نسمع ونلمس ونتذوق، وبين الإحساس أو الشعور أي ما ينغرس في الروح والوجدان والعقل.
حب الجمال فطرة إنسانية طبيعية، ومن نعم الله أن معايير الناس تختلف فيه، ولو اتفقت لكان كل ما حولنا من بشر وأماكن ومخلوقات وأشياء، مقسوما إلى فسطاطين للجمال، والقبح، وهذا الأخير أيضا ينطبق عليه ما ينطبق على الجمال في فكرة الحواس والإحساس.
استحضرت الجمال، وفلسفته، وصناعته، بعدما مررت بتقاطع طريق الملك سلمان بن عبدالعزيز مع طريق القصيم أو امتداد طريق الملك فهد في الرياض، وشاهدت الطريقة التي تتغير فيها ثقافة التجميل مع تغير ثقافة التعامل مع الحياة وجودتها.
رأيت في هذا التقاطع صخورا من أرضنا، وأشجارا من بيئتنا، وعملا لجعل الموقع جميلا بالتماهي والتمازج مع بيئتنا ومناخنا، ومع ذائقتنا التي تتشكل وفقا لطبيعتنا وطبيعة بيئتنا أيضا، وليس مرتفعات من الأسمنت أو الزجاج أو نماذج تحاكي نماذج أخرى لها بيئتها المختلفة، وثقافتها، وذائقتها الخاصة للجمال.
العمل يسير بالوتيرة نفسها في أكثر من ميدان أو موقع، وتحضر رؤية "الرياض الخضراء" رويدا رويدا بين ثنايا الشوارع وفي مرمى الأبصار، ولعلها تتسارع وتتكثف لأن الطقس يزداد شراسة، وتوسع المدينة يعني مزيدا من الحرارة التي تحتاج إلى مزيد من الخضرة.
هذا لا يعني أن محاولات التجميل السابقة فاشلة تماما أو أخفقت، لكن هذا يعني أن هناك تطورا في الذائقة الجمالية ومزيدا من الاقتراب من البيئة وعيش واقعها وإدراك أهمية علاقتنا بها، وهي أشياء تأتي ضمن جودة الحياة التي وضعتها الرؤية السعودية في مقدمة أهدافها الإنسانية.
اجتمعت الحواس مع الإحساس، المظهر مع المخبر عند رسم "الوجه النظري" لهذا الجمال، واجتمع الحماس مع وجود رؤية جماعية لضرورة تغيير ثقافة تجميل وتطوير المدينة لتظهر النتائج تباعا.
لا يزال الطريق طويلا، خاصة فيما يتعلق بالشوارع الرئيسة داخل الأحياء التي نتمنى ألا نراها جرداء من أي شجر أو ملامح جمال.
أثق بأن هذه الثقافة تنتشر في معظم المدن السعودية اليوم، وأستشهد بالرياض، لأني أعيش فيها، وأحبها، وأراقب تطورها منذ عقود.