الصحة الرقمية .. استثمار وترشيد 

 
كما هو الأمر بالنسبة إلى كل القطاعات تقريبا التي اعتمدت العمل عن بعد، دخل القطاع الطبي بقوة في هذا المجال، خصوصا في أعقاب المعطيات التي جلبها وباء كوفيد - 19 إلى هذا العالم. وخطا عدد من الدول خلال الفترة الأخيرة، خطوات طموحة لتعزيز القطاع ومجاراة معايير الجودة العالمية، للتصدي لارتفاع معدلات الأمراض المزمنة وتوفير سبل الاعتماد على التقنيات الحديثة للوقاية المبكرة، ما يسهم في تعزيز دقة الرعاية الصحية، والوصول إلى العلاج المتقن في الوقت المناسب، فضلا عن خفض التكلفة، وتحليل كميات كبيرة من البيانات، في فترات وجيزة.

إن العمل وتقديم الخدمات والاستشارات والدراسات عن بعد، صار جزءا أساسيا من الحراك الاجتماعي الاقتصادي حول العالم، ولا سيما بعد فرض القيود المعروفة على الحراك الاقتصادي، للتقليل من ضربات هذا الوباء الذي لم ينته بعد، على الرغم من الإجراءات العالمية التي اتخذت لاحتوائه أو للتخلص منه في أسرع وقت ممكن. القطاع الصحي حقق قفزات نوعية في أعقاب انتشار الجائحة العالمية، بما في ذلك الأدوية والخدمات الطبية عن بعد وما يرتبط بها، وكان هذا القطاع من القطاعات الأكثر نموا إلى جانب القطاع التقني الذي قدم خدماته الضرورية ليس فقط خلال فترة الإغلاق الاقتصادي، ولكن بعد هذه الفترة.

ومن هنا، يمكن فهم مسار قطاع ما أصبح يسمى "الصحة الرقمية"، التي باتت تستقطب المستثمرين حول العالم، وهذا القطاع الحيوي بدأ ينمو بصورة كبيرة، ليس فقط في أعقاب انتشار فيروس كوفيد - 19، ولكن قبل ذلك، خصوصا من التقدم الكبير على صعيد تكنولوجيا الاتصالات، وسهولة الوصول إليها في معظم دول العالم.

اللافت أن هذا النوع من الخدمات حقق غاياته في أوقات الأزمات والانفراجات، وهو يوفر مساحات استثمارية واسعة ومتنوعة، فضلا عن أن هذا المجال أصبح يتلقى التشجيع من جانب الحكومات حول العالم، ليس فقط لسرعة إيصال خدماته إلى الجهات المستفيدة، بل لأنه يعد أقل تكلفة خصوصا في قطاعات الرعاية الصحية الحكومية، عن الخدمات الطبية التقليدية المعروفة، دون أن ننسى، أن الحكومات تبحث في أعقاب الأعباء المالية التي فرضتها جائحة كورونا عن تقليل الإنفاق في كل القطاعات، أو على الأقل ترشيده لتعزيز موازناتها العامة الغارقة في الديون.

ورقميا وفي غضون الأعوام الخمسة المقبلة، ستصل قيمة "سوق الطب عن بعد"، أو "الصحة الرقمية" إلى أكثر من 185 مليار دولار، في حين كانت هذه القيمة في عام 2018 في حدود 38 مليار دولار، وبالطبع هذا الميدان الجديد نسبيا سيشهد مع نهاية العقد الجاري نموا كبيرا، لأسباب عديدة، في مقدمتها نجاح الخدمات التي تتوافر فيه، وتراجع تكلفتها.

لذلك فإن الفترة المقبلة ستشهد أيضا تراجعا كبيرا في الخدمات الطبية التقليدية، بما في ذلك الزيارات المعتادة للأطباء، بل حتى العمليات الجراحية التي يمكن أن تجري عن بعد وفق تقنيات صارت متاحة اليوم، وغير ذلك من الخدمات الطبية التي يمكن أن تصل إلى من يطلبها في فترات زمنية قياسية، وتشخيصات متقنة ودقيقة وبأقل تكاليف ممكنة، فنحن حاليا في فترة التحولات التي حدثت نفسها في مجال الهواتف الذكية والتقليدية.

تصل حصة قطاع الرعاية الصحية من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12 في المائة، وهذه الحصة آخذة في الارتفاع ليس فقط بسبب التداعيات التي يتركها كورونا حاليا، ولكن من جهة الحاجة إلى الخدمات الصحية من كل الشرائح المجتمعية، والإمكانات كبيرة في هذا المجال الحيوي المتنامي.

على سبيل المثال يمكن ببساطة إجراء فحوصات طبية بما في ذلك الضغط، والسكر، ونبضات القلب عن بعد، كما أن الصحة الرقمية توفر أيضا مراقبة على مدار الساعة للأشخاص الذين يعيشون أوضاعا صحية صعبة تتطلب المتابعة المستمرة.

إذن المرحلة المقبلة، ستشهد بالتأكيد تطورات كبيرة في ميدان "الصحة الرقمية"، ولن يكون مفاجئا تراجع حضور الطب التقليدي على الساحة في الأعوام القليلة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي