صداع «دلتا» يقلق أسواق النفط .. إنتاج الصخري الأمريكي لا يزال حذرا
سجلت أسعار النفط الخام تقلبات مستمرة، مواصلة الانخفاضات السابقة نتيجة استمرار انتشار متغير "دلتا" من فيروس كورونا، ما عمق حالة المخاوف على تعافي الطلب العالمي خاصة مع انخفاض الاستهلاك في دول رئيسة في منظومة الطلب العالمي، تحديدا الطلب على الوقود.
وتتلقى الأسعار في المقابل دعما من استمرار تقلص المخزونات النفطية الأمريكية في مؤشر على مقاومة الطلب للعوامل العكسية، بينما تستمر مجموعة "أوبك+" في تعزيز المعروض النفطي بزيادة 400 ألف برميل يوميا من بداية الشهر الجاري وعلى مدار الشهور المقبلة، ويجتمع وزراء الطاقة في المجموعة في أول أيلول (سبتمبر) المقبل لإعادة تدارس وضع السوق ومراجعة مستجدات العرض والطلب والمخزونات.
ويقول لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون "إن تعثر الطلب عاد مرة أخرى ليتصدر المشهد في السوق النفطية في هذه المرحلة بعدما هبطت معنويات السوق نسبيا، حيث إنه من المتوقع أن ينخفض الطلب على وقود الطائرات في الصين خلال الصيف نتيجة تفشي متغير "دلتا" الذي أدى إلى تجدد قيود السفر الجوي التي قد تستمر حتى نهاية الشهر الجاري".
وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا "إن عودة تفشي الجائحة أدت إلى عرقلة مسيرة تعافي الطلب وأسهمت في الحد من المكاسب السعرية، خاصة بعدما أدت إلى خفض الطلب على وقود الطائرات في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) بشكل لافت وبما يفوق التقديرات السابقة".
وأشار إلى أن تعثر الطلب امتد ليؤثر في الاقتصاد الصيني وهو مكون رئيس وهو الأبرز في الطلب العالمي، حيث ذهبت أغلب التحليلات والتقارير الدولية إلى تراجع استهلاك الوقود في الصين بنسبة 5 في المائة، تقريبا على المدى القريب وعلى وجه التحديد بالنسبة إلى وقود الطائرات، حيث تم تسجيل التأثير الأكبر بعدما ألغت بعض شركات الطيران المحلية الصينية جداول رحلاتها في الوقت الحالي.
ويرى، أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات أن الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري ما زال حذرا بسبب تقلبات السوق وتجدد إصابات الوباء، مشيرا إلى أن حوض بيرميان وهو أكبر حوض منتج للنفط في الولايات المتحدة كان هو الأكثر تضررا في البلاد منذ اندلاع الجائحة ومع ذلك من المرجح أن يستعيد هذا الحقل إنتاج النفط الخام إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول 2022 بشرط استعادة وتيرة تعافي السوق من الوباء.
وأضاف أنه "على الرغم من ارتفاع أسعار الخام الأمريكي إلى مستويات ما قبل الجائحة فإن الحفارات لا تزال بطيئة في النمو"، مشيرا إلى انخفاض عدد الحفارات إلى أدنى مستوى في آب (أغسطس) من العام الماضي، ومنذ أيلول (سبتمبر) 2020 شهد الإنتاج الأمريكي زيادة بطيئة في عدد الحفارات بنسبة نحو 7 في المائة.
ويضيف، يقول الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة "انتشار متغير "دلتا" صار الصداع الأكبر في رأس السوق النفطية، خاصة بعدما طال الصين على نحو مؤثر وظهر بقوة في نصف المقاطعات الصينية وتسبب بالتالي في تعطيل التعافي في استهلاك النفط الخام العالمي".
وأشار إلى أن الصين هي أكبر سوق للنفط في آسيا، وتجدد انتشار المتغير يؤدي - بحسب التقييمات الدولية الحديثة للسوق - إلى احتمال تعرض 5 في المائة من الطلب العالمي على النفط قصير الأجل للخطر، ويضاف إلى ذلك تأثير تجدد المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط بعد حادث سفينة خليج عمان.
بدورها، تقول الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة "إن متغير دلتا سريع الانتشار أدى إلى تجدد القيود في عديد من الدول وهدد بتبديد مكاسب واسعة سابقة حدثت بعد ارتفاع أسعار النفط الخام بقوة في النصف الأول من العام، حينما سمح طرح اللقاحات بإعادة فتح الاقتصادات الكبرى، ما أدى إلى زيادة الطلب على النفط واستنزاف الوفرة التي تراكمت خلال الموجات الأولية للوباء".
وأضافت أن "أزمة الطلب المستجدة تتمحور في آسيا والمحيط الهادئ وهي بؤرة عمليات الإغلاق، وإن الأزمة ربما تكون أكثر مما كانت عليه الحال في بداية العام الجاري"، مشيرة إلى أنه في المقابل هناك علامات ضوء إيجابية في السوق، أبرزها استمرار انخفاض مخزونات النفط الخام الأمريكية بمقدار ثلاثة ملايين برميل في الأسبوع الماضي، وهو مؤشر على مقاومة الطلب للضغوط العكسية الحادة الناجمة عن الوباء.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، انخفضت أسعار الخام الأمريكي لليوم الثالث على التوالي أمس 4 آب (أغسطس) بينما لم يطرأ تغير يذكر على العقود الآجلة لخام برنت مع تنامي المخاوف من أن يقود الانتشار المتزايد لسلالة "دلتا" من فيروس كورونا في كبرى الدول المستهلكة إلى خفض الطلب على الوقود.
وهبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي سبعة سنتات ما يوازي 0.1 في المائة إلى 70.49 دولار للبرميل. وأضافت العقود الآجلة لمزيج برنت الخام سنتا واحدا إلى 72.42 دولار للبرميل.
ونزلت العقود الآجلة للخامين الثلاثاء إلى أقل مستوى منذ 21 تموز (يوليو) ثم ارتفعت بعض الشيء عند الإغلاق. كما قدمت بيانات المخزونات الأمريكية بعض الدعم لأسعار الخام، إذ تراجعت مخزونات كل من النفط الخام والبنزين ونواتج التقطير.
وأظهرت بيانات معهد البترول الأمريكي الثلاثاء أن مخزونات الخام انخفضت بمقدار 879 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في 30 تموز (يوليو)، وهبوط مخزونات البنزين 5.8 مليون برميل وتراجع مخزونات نواتج التقطير بمقدار 717 ألف برميل.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 72.71 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 73.89 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك الأربعاء "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني انخفاض له على التوالي، وإن السلة خسرت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 73.62 دولار للبرميل".