سفارة للبيانات

في علم الإدارة، تتنوع النظريات أو الرؤى التي تبني عليها الشركات أو المؤسسات استراتيجياتها، وذلك إما لتحقيق النمو وإما لتعظيم قيمتها الاقتصادية وإما على أسوأ تقدير لتحافظ على حصتها السوقية بين منافسين شرسين. من بين المفاهيم أو المرتكزات التي توضع على أساسها الاستراتيجيات لتحقيق النمو أو التوسع هو، مفهوم التوسع الرأسي أو الأفقي لعمليات الشركة أو لخطوط إنتاجها. فالتوسع الرأسي من شأنه تغطية عدة عناصر في سلاسل القيمة المتعلقة بنشاط أو أعمال الشركة. فشركات إنتاج الأجهزة الذكية قد تلجأ إلى الاستحواذ على مصانع للرقائق والمعالجات أو الكاميرات الرقمية لتقليل الاعتماد على الموردين، وبالتالي تخفيض تكاليف المكونات الأساسية لتلك الأجهزة.
وبشكل مغاير، تعتمد استراتيجية التوسع الأفقي على الدخول في صناعات مختلفة تماما عن الأنشطة الرئيسة للشركة، كالجمع بين نشاط الاتصالات والسياحة على سبيل المثال، أو التمدد الأفقي بالوجود في مواقع جغرافية جديدة، ولكن في النشاط ذاته. فشركة أمازون تنشط عملياتها في عديد من دول العالم، ولديها وجود دولي عبر فروعها المنتشرة في كبرى العواصم العالمية.
تقوم الشركات بعمليات التوسع الجغرافي إما لزيادة انتشارها، وبالتالي نمو حجم مبيعاتها، وإما لتقليل المخاطر من الاعتماد على منطقة جغرافية بعينها في حال تعرضها لتباطؤ اقتصادي، أو ظهور تحديات أخرى، كغياب الاستقرار السياسي أو اضطراب في عملة ذلك البلد.
في عام 2007 تعرضت إستونيا لهجوم سيبراني شديد تسبب في تعطل شبكة بياناتها العامة وخروج عديد من مواقع الإنترنت التابعة للبنوك والصحف، وكذلك موقع مجلس النواب، عن الخدمة. اضطر ذلك الحدث الحكومة الإستونية إلى إعادة النظر في استراتيجيتها في حماية بياناتها الحساسة وشبكة بياناتها. وبالفعل، نفذت حكومة إستونيا سياسة جديدة لتقليل احتمالية تعرض بياناتها الحساسة للهجوم أو التعطل، لذا أقرت استراتيجيتها للأمن السيبراني لضمان عدم انقطاع أي من خدماتها الرقمية وضمان سلاسة خدماتها.
وكان من أبرز مخرجات تلك الاستراتيجية، إنشاء "سفارة إستونيا الرقمية" في لكسمبورج الأوروبية، التي تقوم فكرتها على إنشاء مركز معلومات خارج الحدود الجغرافية للبلد الأم في محاولة لتقليل المخاطر المحتملة، في حال تعرض مراكز بياناتها لهجوم، ما قد يعطل خدماتها الرقمية الأساسية أو فقدان بياناتها الحساسة. وقد وقع رئيسا الوزراء لإستونيا ولكسمبورج اتفاقية تقضي بإنشاء سفارة للبيانات على أراضي لكسمبورج تخضع للقوانين الإستونية.
وتعد هذه المبادرة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم في استضافة مركز بيانات لدولة جارة على أراضيها، ولكن تظل حالتها القانونية الدولية غير واضحة المعالم، حسب دراسة نشرتها جامعة كامبردج أجريت من منظور القانون الدولي. إلا أن مساعي استضافة مراكز البيانات خارج الحدود الجغرافية لم تقف عند هذا الحد، فقد حاولت عدة شركات أمريكية استضافة مراكز بيانات خاصة بها في الفضاء، وتحديدا في المدارات القريبة من الأرض.
وفي هذا الصدد، قام تحالف بين مؤسسة هيوليت باكارد و"ناسا" للفضاء بإرسال حاسوب فائق السرعة للفضاء في إعداد لمحاولات إرسال مركبات مأهولة برواد الفضاء إلى المريخ، والمخطط لها بحلول عام 2030. أيضا تنظر شركة أوربيتز إيدج في إمكانية إرسال مركز بيانات للفضاء للمساعدة في معالجة وتحليل البيانات المجمعة من عديد من الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض.
لكن عودا على مفهوم سفارة البيانات، هل سنرى إنشاء مراكز للبيانات فوق السحب لزيادة تحصينها ضد الهجمات السيبرانية ولتكون بياناتها الحساسة في مأمن من العبث بها؟ هذا ما سيكشفه لنا المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي