هندسة التذمر
يتحول الناس بشكل مبرمج إلى أدوات لتكريس الشكوى والتذمر. وينعكس هذا على أدائهم في بيئات العمل وفي المحيط الاجتماعي والاقتصادي والفكري.
التذمر الذي تتم هندسته بشكل خفي، يفضي في كثير من الأحيان إلى مشكلات قد يتم توجيهها لتهديد أمن وسلام المجتمعات.
كثيرون يسهمون في تكريس التذمر من خلال منصات التواصل الاجتماعي، دون أن يشعروا أنهم يشاركون في جريمة مرسومة ضد مجتمعاتهم.
تم استغلال هندسة التذمر، خلال فترة ما يسمى الربيع العربي، إذ تم إيجاد حالة مجتمعية ناقمة، وقد أفضت هذه النقمة إلى تقويض أمن عدد من المجتمعات.
لا يزال المجتمع العربي يعاني تبعات الموجة التي واجهته منذ بضعة أعوام، لأن الذين استخدموا التحريش واستفادوا من التثوير والتهييج، لم يكونوا قادرين على التعامل مع المجتمعات وتنميتها، فاستمرت حالة الغليان، وساد الكساد الاقتصادي، والاختلالات الأمنية، وضاعت المكتسبات التي تحققت في العقود الماضية.
وإذا كان البعض يتحجج بالأوضاع التي كانت تسود في بعض الدول، فإن البديل الذي تم الوصول إليه زاد من الفقر والبطالة وفاقم من المشكلات الأخرى.
لقد تعرض العالم العربي لحملة تجريف أسهمت في تكريسها التدخلات الخارجية، وعلى الأخص التدخلات الإيرانية والتركية.
أصبح المشهد في عدد من الدول العربية أكثر سوءا، بسبب تدخلات إيران وتركيا، واختطاف القرار الوطني في تلك الدول، نظرا إلى وصول قيادات وزعامات ترتهن لمصالحها الضيقة التي تتعامل مع الوطن بنظرة حزبية أو طائفية، تجعل الأيدولوجيات تغتال الروح الوطنية. والشواهد من حولنا كثيرة نراها في ليبيا وسورية ولبنان واليمن وسواها من الدول التي طالها التغيير خلال فترة ما يسمى الربيع العربي.
المخيف، أن هندسة التذمر، يجري حاليا العمل على استخدامها من جديد، ومن المؤسف أن الاختراقات التي يعانيها بعض الدول العربية، تسهم في تكريس الأجندات المشبوهة.
هناك نخب سياسية واقتصادية وفكرية في العالم العربي، تتحول طوعا لمواجهة أوطانهم والسعي لتقويض الاستقرار فيها. هذا أمر عجيب فعلا.