سيولة نخبوية

هناك مسألة يمكن توصيفها بحالة سيولة نخبوية في الآراء على منصات التواصل الاجتماعي. هذه السيولة تجعل بعض النخب يتعرض إلى إغراء الكلام المعتاد، والمواقف التي تأخذ صبغة شعبية، وهذا الأمر رغم أنه مدعاة للإعجاب من عامة الناس، إلا أن خطورته قد تظهر في تنميط الأفكار وفقا لما يطلبه المتابعون.
والمخيف أنه مع مرور الوقت، قد تتراجع أدوات التفكير الرصين، لتسود مكانها الأفكار الناقصة، التي تصاغ بعبارات مختصرة، تطرح على "تويتر" و"سناب شات" وبقية منصات التواصل الاجتماعي. وهذا المسلك وإن كان ينظر إليه الأغلبية باعتباره مظهرا عصريا شائعا بين جميع أفراد المجتمع، لكنه أحيانا يصبح مدعاة للاستغراب، لأن بعض الأسماء التي يفترض أن لديها من الخبرة والمعرفة، ما يجعلها تعطي للبحث والدراسات قدرا يجعلها لا تستجيب لمثل هذه الطروحات الجماهيرية.
ولا أريد هنا أن يفهم البعض أنني أدعو إلى أن يبقى هؤلاء الناس في أبراج عاجية، ويترفعون عن الآخرين، ولكنني في المقابل، أنظر بمنتهى الإعجاب إلى قدرة بعض المفكرين والأكاديميين والخبراء على وضع مسافة واضحة تتعلق بظهورهم على منصات التواصل الاجتماعي، بحيث لا يتسبب هذا الظهور بالأذى للتخصص الذي ينتمي إليه.
التوعية الصحية - وهذا نموذج مبسط - أمر محمود. لكن الدخول في تفاصيل تتجاوز نطاق التوعية مسألة لا تعدو عن كونها هدرا للوقت. ومع ذلك نحن نشهد أحاديث مستفيضة عن أوضاع صحية عميقة ولا مجال للحديث عنها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولذلك تسبب الارتباك لدى المتلقي، وربما يصل الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك.
والأمر نفسه ينطبق على بعض السياقات القانونية. كما يصدق على القضايا الفكرية والثقافية العميقة.
إن أبسط حق لكل إنسان، أن يتبنى موقفا من المواقف الشائعة بين الناس، ولكن بشرط ألا يتعارض هذا الموقف مع السياق الفكري العام، الذي يعبر عنه هذا الإنسان. هناك نماذج أكثر وضوحا تحاشيت الإشارة إليها لأسباب، منها أن المساحة لا تكفي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي