التعلم من الفشل .. الشروط والأحكام
أفضل ما يمكن جمعه من الحكمة الثمينة تجارب الفشل ونتائجها، وقد لا يختلف على ذلك أحد. نوعية المعرفة التي تتراكم لدى الشخص من تجارب الفشل هي معرفة نوعية بامتياز، إذ إن لها خصائص مختلفة عن أي معرفة أخرى نحاول الحصول عليها بالتعلم المباشر أو القراءة أو حتى الاستماع إلى تجارب الآخرين. من هذه الخصائص: الجدة والحيوية، فما نصل إليه من التجربة التي لا تنجح، من الخطأ والانحراف والفشل والتعثر، هو أمر واقعي وحقيقي وحي. حصوله بالطريقة التي وقع بها يعكس الظروف الحالية، المسببات الراهنة، والسياق الفعلي الذي نعيشه. ولهذا، فهذه المعرفة هي معرفة محدثة ومتوائمة مع ما نحن بصدد القيام به وما قد يصادفنا في قادم الأيام.
لكن، التعلم من الفشل لا يحصل بالضرورة من كل فشل، والاستفادة من الأخطاء لا تحدث بشكل مباشر وحتمي نتيجة لوقوعها. من الممكن جدا أن نفشل ولا نتعلم، ونقع في الأخطاء ونكررها. لهذا هناك عدد من الشروط والأحكام التي تنقل فكرة التعلم من الفشل إلى واقع، وإذا لم تؤخذ هذه الاعتبارات في الحسبان، فعلى الأرجح لن يحدث من التحسن المنشود شيء. وعلى العكس من ذلك، إذا لم نتمكن من التعلم من الأخطاء والفشل، سنتأثر سلبا باستمرارها، وستستمر النتائج في التدهور، وقد يتحول الأمر حينها إلى تسلسل دائم من الإحباط أو الحزن أو اليأس أو جميع ذلك. الأكيد أننا لن نتفادى الفشل بأي طريقة كانت، فهو واقع واقع.
الشرط الأول الذي يفتح لنا باب التعلم من الأخطاء والفشل هو الجاهزية الفكرية، فهذا النوع من التعلم يتطلب عقلية محددة تؤمن بعدد من الاعتبارات. أول هذه الاعتبارات تقول على تقبل الفشل والإيمان: إن الحياة لا تخلو منه، من يعتقد ضرورة الكمال في تجاربه الحياتية سيواجه كثيرا من الخيبات وسيدمر تجربة التعلم من الفشل من بدايتها. التعلم من الخطأ لا يتعارض مع السعي خلف الكمال، فاحتمالات الكمال واردة والسعي خلفها محفز مع أن تحقيقه مستحيل. ومن الجاهزية الفكرية القدرة على التنبه أثناء التجربة لاحتمالات الفشل ومساراته، وكيف أن التجارب إجمالا مبنية على رحلتها وليست نهايتها، وأن الظروف والاحتمالات تتداخل، وبعضها يؤثر بشكل أكبر من غيره. وهناك من ذلك ما يخفى وما يظهر، ولهذا تتطلب المسألة وعيا وتنبها فكريا بالأساس، يجعلنا متيقظين لما نفعل، وكيف يحصل، وأين تقودنا الظروف والتصرفات، وكيف نستفيد منها لاحقا.
بعد أن نضبط الاعتقاد بخصوص تقبل الفشل والتعرف عليه تتبقى محاولة فهمه وفهم أسبابه. وهذا يعني القدرة على ربط المسببات بالنتائج بالأسلوب العقلي لا العاطفي. وهذه نقطة تحول رئيسة في تجربة التعلم من الفشل تنقلنا من مرحلة التجربة والمحاولة إلى مرحلة التصحيح والتعديل. محاولة فهم الأسباب تتطلب قدرا من الاستقلالية المنطقية وسيطرة معقولة على التحيزات، إضافة إلى فلترة الوضع وتصفيته من المشوشات واستبعاد ما يمكن أن يؤثر في حكمنا دون علاقة مباشرة بصلب التحدي المنظور.
وهكذا، بالجاهزية الفكرية وعملية الفهم الجيدة للمسببات نفتح الباب لمرحلة جديدة من أحكام التعلم من الأخطاء التي تقوم على اقتراح التحسينات وتعديل الظروف ومقاومتها أو التكيف معها وغير ذلك من السلوكيات التي تبنى على هذا الفهم. وهذه المرحلة مهمة جدا لأنها تمثل خريطة الطريق التي تمكنا من الخروج إلى نتائج أفضل من الواقع السابق. لكن وجود الخطة التحسينية أو معرفة كيف نريد تعديل المسار ليس كافيا فالأمر قد ينطوي على التجهز لتحسين المهارات أو تثبيت العادات الجديدة، وهذا يعني مزيدا من الأحكام الفرعية للقيام بالأمر بشكل مختلف يصنع الفارق المهم. هناك زاوية مهمة وشرط أساسي يبنى عليه التعلم من الفشل، وهي أن الرحلة رغم أنها تظهر كأنها فردية في كثير من الأحيان، إلا أنها تتفاعل مع آخرين ويمكن دمجها بتجارب الآخرين، ففي كل مرحلة من رحلة التعلم هناك فرصة لمعرفة أين فشل الآخرون وكيف تعلموا من ذلك؟.
أما الأحكام النهائية فتشمل عددا من الاعتبارات، أولها يؤكد أن الفشل ليس شرطا في التعلم، فالدعوة إليه لا تعني البحث عنه بالضرورة. والثاني أن التعلم من الفشل خاضع للفشل كذلك، فهي مهارة مثلها مثل مهارات التعلم الذاتي الأخرى، ينبغي للشخص أن يجربها حتى يتقنها. والثالث، أن التجربة الفردية القائمة على التعلم من الأخطاء يمكن تكرارها واستنساخها وتطبيقها بأشكال مختلفة، في الأنشطة الفردية والاجتماعية والمهنية، بأكثر من شكل وطريقة.