العلا .. تحفة «اليونسكو» التراثية

خلال هذه الأيام تستعد منطقة العلا لاستقبال زوارها السياح من كل حدب وصوب، وبالذات بعد أن تمت إضافة مشروع طائرات الهليكوبتر لنقل السياح بين ربوع المنطقة، وتسهيل وصول السياح والزوار إلى كل المواقع التاريخية البازخة. وتعد منطقة العلا منطقة أثرية وثرية بالآثار، وتضم مدائن صالح التي كانت تعرف قديما بمدينة الحجر، وتحتوي على 53 مدفنا موزعة على تسعة جبال، كذلك تضم آثار مدائن صالح 153 واجهة صخرية منحوتة، وعددا من القلاع الإسلامية، وبقايا خط سكة حديد الحجاز.
وتتميز واجهات المدافن في مدائن صالح بتعدد أنواع البناء والمعمار، وتعد مدائن صالح من أهم حواضر الأنباط بعد عاصمتهم البتراء، وقد نزح الأنباط من شمال الجزيرة العربية واستوطنوا الحجر "مدائن صالح" في القرن الأول قبل الميلاد، والحجر اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة وتبوك، وورد ذكر الحجر في القرآن الكريم. وتستمد مدائن صالح أهميتها من ذلك التاريخ الحافل، لأنها كانت تقع على طريق التجارة القديم الذي كان يربط الممالك العربية مع الدولتين العظميين الدولة الرومانية والدولة الفارسية. والمهم الآن أن منظمة اليونسكو العالمية تفتخر بوجود منطقة العلا في قائمة التراث العالمي، وتعدها تحفة أصيلة من تحف المنظمة العالمية. وقد لعبت أدينا بوكوفا مديرة اليونسكو السابقة دورا كبيرا في وضع منطقة العلا ضمن قائمة كنوز التراث العالمي المعترف به عالميا.
والواقع أن حكومة خادم الحرمين الشريفين اهتمت كثيرا بمنطقة العلا وجعلتها إحدى أهم المناطق السياحية الجديرة بزيارات السياح، وتم طرح كثير من المشاريع المتنوعة لجذب السياح وجعلها منطقة جذب سياحي عالمي بمعايير حديثة ومتطورة باستخدام تقنيات، وقبل ذلك صدر أمر ملكي بتشكيل الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وجعل أهم أهداف الهيئة العناية الفائقة بالمناطق الأثرية في العلا، وتحويل المنطقة إلى منطقة سياحية من الدرجة الأولى، ومن ناحيتها فقد وضعت وزارة الثقافة برنامجا لزيارة العلا يتميز بكثير من المعلومات والبيانات.
ويوجد برنامج الدعاية "بودكاست" الذي يستعرض بإيجاز كل آثار المنطقة، ويتضمن "البودكاست" حوارا مستفيضا مع أرينا بوكوفا مديرة اليونسكو السابقة التي كانت متيمة بالكنوز الأثرية للعلا، ولعبت دورا مهما في ضم العلا إلى قائمة التراث العالمي قبل أن تغادر منصبها، وقالت في معرض حديثها عن العلا إنها متحف حي يزخر بالمناظر الطبيعية الخلابة، والمواقع الأثرية الباهرة التي يحتضنها نظام بيئي صحراوي فريد من النباتات والحيوانات التي تعيش في كنف هذا المتحف الذي يعد متحفا للحضارات القديمة في شبه الجزيرة يجسد قصص الماضي التليد والمستقبل الوارف العظيم.
وأكدت أرينا بوكوفا أن قرار مجلس الأمن رقم 2347 في 2017 كان أهم القرارات الدولية الذي جرم التدمير المتعمد للآثار، وعده خطرا على السلام والأمن الدوليين، ونص القرار بعدم شرعية التجارة بالقطع الفنية التاريخية، وأضافت أرينا بوكوفا تقول: "وبعد هذا القرار الأممي الواعي لاحظت، مديرة اليونسكو السابقة، التغيير في التفكير البشري الذي بات يرى أن المناطق الأثرية في العالم ملك لكل إنسان يعيش فوق كوكب الأرض، وليست ملكا لشعب بعينه أو أمة بذاتها". وأضافت "أن التراث الإنساني يشكل النسيج المشترك للبشرية، وهو ما يجمع الإنسانية في كل مكان من العالم، ولذلك فإن تدمير هذا التراث أمر كارثي للإنسانية جميعها، لذلك نقول دائما إن التراث هو (كتاب مفتوح) عن الإنسانية، والتراث كائن يتحدث عن التاريخ، والوجود، والتنوع، ولدينا مختلف أنواع المباني والمجمعات التي تمثل إبداع الإنسان فوق كوكب الأرض". ودعوني أتوسع في الحديث عن ممتلكات الإنسان فوق كوكب الأرض اليوم في تاريخنا الحديث طريق "الحرير" الرائع الذي يربط مختلف الثقافات من كانشين إلى فينيس، وفي التاريخ القديم كان هناك أيضا طريق "البخور"، وكانت العلا هي طريق البخور، هذا الطريق يشكل مثالا رائعا للانصهار الثقافي العالمي الذي يشعر بالتوحد وينبذ الكراهية، ولذلك فإن كل هذه المشاريع التراثية تعبر عن الهوية الإنسانية في عالمنا المتراحم والمترامي الأطراف.
وواضح مما سبق أن منطقة العلا كانت موقعا تجاريا مهما على طريق القوافل القديم، "طريق البخور" الذي ربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، وربطها بالمراكز الحضارية في بلاد الرافدين، وبلاد الشام، ومصر، وكانت العلا في هذه السلسلة من المحطات التجارية نقطة التقاء وممرا آمنا لقوافل التجارة القادمة من إفريقيا، وآسيا، وجنوب شبه الجزيرة العربية، وكانت التجارة تتمثل في التوابل، والعطور، والبخور، لذلك سمي الطريق (طريق البخور).
وتتميز منطقة العلا بوجود مدائن صالح في قلبها النابض بالتراث الإنساني، بل يوجد في المنطقة مسجد بناه الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - بالحجارة وخط محرابه بعظم، وأطلق عليه اسم (مسجد العظام)، وتحاط منطقة العلا بعدد من الحقول، ومزارع النخيل، والحمضيات، والفواكه، كما اختصت أرض العلا بتربة خصبة تتوافر فيها المياه العذبة التي تنبع من 35 عينا جوفية. لهذه الأسباب وغير ذلك من الدوافع التراثية المهمة أصبحت العلا التحفة التراثية لمنظمة اليونسكو العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي