المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالخروج من الجائحة «2 من 2»

كانت درجات مساعدة الميزانية متفاوتة من بلد إلى آخر، فكانت في الولايات المتحدة أكبر كثيرا مقارنة بحالها في أوروبا، على سبيل المثال. لكن الديون الحكومية ارتفعت بشكل حاد في كل مكان، والآن بلغت مستويات غير مسبوقة في دول مثل إيطاليا واليابان. وعلى هذه الخلفية، حدد بنك التسويات الدولية سيناريوهين خطيرين على الجانب السلبي. الأول وبائي في الأساس: حيث قد تظهر متحورات جديدة لفيروس كورونا، فيستلزم الأمر مزيدا من عمليات الإغلاق والدعم المالي، وهو ما قد لا يتسنى لبعض الحكومات. لكن في اعتقادي أن مزيدا من عمليات الإغلاق سيكون مستحيلا على المستوى السياسي. وعلى هذا، فإذا انتشرت طفرات فيروسية جديدة بسرعة، فسيكون لزاما علينا أن نتدبر أمورنا قدر المستطاع، ونأمل أن تساعد اللقاحات على التقليل من الوفيات الإضافية.
يتمثل السيناريو الثاني على الجانب السلبي الذي أعده أكثر منطقية وترجيحا، في اشتداد ضغوط الأسعار الحالية وارتفاع التضخم إلى مستويات أعلى، الأمر الذي يتطلب في النهاية استجابة نقدية. بلغ تضخم أسعار المستهلك 5.4 في المائة خلال العام السابق لتموز (يوليو). وارتفع مؤشر Baltic Dry Index، الذي يتتبع أسعار شحن السلع الجافة بنحو 170 في المائة هذا العام. وبدأت القيود على العرض تظهر في عديد من المناطق.
ينبئنا الخط الرسمي الذي يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية بأن هذه الزيادة التضخمية مؤقتة سريعة الزوال. لكن كما يقول المثل الفرنسي: "لا شيء أكثر دواما من المؤقت". إذا كان إجماع البنوك المركزية الحالي مجانبا للصواب، كما يعتقد لاري سمرز وزير الخزينة الأمريكي السابق، فقد يحمل لنا المستقبل بعض المتاعب.
الواقع أن إحكام السياسة النقدية أثناء الخروج من الجائحة سيخلف عواقب أشد خطورة من المعتاد. فبسبب تكديس البنوك المركزية لقدر كبير من الديون الحكومية، أصبح متوسط آجال استحقاق السندات الحكومية أقصر فعليا، وعلى هذا فقد أصبحت الميزانيات العمومية في القطاع العام أكثر حساسية من المعتاد للتغيرات في أسعار الفائدة قصيرة الأجل. لن تكون الحكومات راضية عن أداء القائمين على البنوك المركزية في دولها بسبب إحكام السياسة، لأن هذا من شأنه أن يخلف عواقب مالية مباشرة.
إضافة إلى هذا، سيكون إحكام السياسة النقدية في العالم المتقدم، خاصة في الولايات المتحدة، غير مرغوب إلى حد كبير من منظور الأسواق الناشئة. فلا يزال أغلب هذه الأسواق تناضل للسيطرة على الجائحة، ومعدلات التطعيم ضد كوفيد - 19 لديها أقل كثيرا من نظيراتها في أوروبا وأمريكا الشمالية، رغم العلامات التي تشير أخيرا إلى أن الدول الثرية أصبحت الآن أكثر استعدادا لتقاسم مخزوناتها من اللقاحات.
في الاستجابة للجائحة ذاتها، واجهنا جميعا تحديات مماثلة، وكان مزيج السياسات التي استخدمتها الحكومات هو ذاته في عموم الأمر. أثناء فترة الخروج من الجائحة، قد يتغير كل هذا. فالتدابير التي قد تكون منطقية في الدول، حيث معدلات الإصابة بعدوى كوفيد - 19 منخفضة والديون العامة تحت السيطرة ربما تؤدي إلى كارثة اقتصادية إذا استعانت بها دول أخرى.
من هنا، يدعو كارستينز إلى تطبيع السياسة النقدية بشكل تدريجي للغاية، وإن كان يؤكد أيضا على نحو يوافق التوقعات، أولوية السيطرة على التضخم واستقلالية البنوك المركزية. وربما يضيف أننا سنحتاج إلى مزيد من تنسيق السياسات على المستوى الدولي، وهو أمر نادر الحدوث خلال فترة العام ونصف العام الأخير. وعلى هذا فإن بنك التسويات الدولية ذاته لديه مهمة يجب أن يضطلع بها.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي