انضمام الصين لاتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ" جرس إنذار نحو التقسيم

انضمام الصين لاتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ" جرس إنذار نحو التقسيم

قبل أكثر من خمسة أعوام وبعد ساعات قليلة من تولي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب مهام منصبه قرر انسحاب بلاده من اتفاقية التجارة الحرة لدول آسيا والمحيط الهادئ المعروفة باسم الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي كانت تستهدف في المقام الأول احتواء الخطر الاقتصادي والتجاري المتزايد الذي تمثله الصين بالنسبة للدول الأعضاء في هذه الاتفاقية.
ورغم انسحاب الولايات المتحدة، قررت الدول الأعضاء المضي قدما في التصديق على الاتفاقية المعروفة رسميا باسم اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ.
ومرت أعوام لنجد الصين أخيرا تقدم طلبا للانضمام إلى الاتفاقية التي تضم 11 دولة هي أستراليا واليابان وكندا ونيوزيلندا وماليزيا وبروناي وشيلي والمكسيك وبيرو وسنغافورة وفيتنام.
ويقول ميهير شارما الكاتب والمحلل الاقتصادي الهندي في تحليل نشرته وكالة بلومبيرج للأنباء إنه لا يجب اعتبار تقديم الصين طلبا الانضمام إلى اتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ" مفاجأة، فمنذ نحو عام قال الرئيس الصيني شي جين بينج إن بلاده "ستدرس رغبة الانضمام" إلى الاتفاقية.
وفي أيار (مايو) الماضي ذكرت وكالة بلومبيرج أن الصين بدأت محادثات استكشافية بشأن تلك الخطوة التي تسعى من ورائها لتحقيق أهداف عديدة. ورغم ذلك فإن إعلان طلب الصين الانضمام إلى الاتفاقية يجب أن يمثل جرس إنذار لكل من الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الاتفاقية فالقلق مبرر.
من وجهة نظر قادة الصين، فإن تقديم الطلب أمر مفيد لكل الأطراف، وربما يتم التعامل مع طلبهم بجدية، لأن الدول الأعضاء في الاتفاقية ستضطر لمناقشة إلى أي مدى ستتم تقوية ارتباط اقتصاداتها بالاقتصاد الصيني، أو أنه سيتم غلق الباب في وجه الصين، وفي هذه الحالة ستجد الصين مبررا جديدا للشكوى من محاولات تطويقها وحصارها.
وفي كلتا الحالتين سيتم تذكير العالم بأن الصين الشيوعية متحمسة لتشجيع التجارة والازدهار المشترك أكثر من الولايات المتحدة التي لم تختلف سياساتها التجارية في عهد جو بايدن عنها في عهد ترمب.
ويرى شارما محرر صفحة الرأي سابقا في صحيفة "بيزنس ستاندرد" الهندية أن انضمام الصين إلى اتفاقية الشراكة التقدمية الشاملة عبر المحيط الهادئ يستهدف تقسيم دول الاتفاقية، وإثارة الخلاف بين طوكيو وواشنطن وتذكيرآسيا بغياب أمريكا عن المنطقة. وأكد أن الانضمام يستهدف أيضا تدمير التقدم الهش الذي حققته الاتفاقية نحو جيل جديد من التجارة الدولية والتكامل الإقليمي.
ويجب أن يكون الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة نتيجة انضمام الصين إلى الاتفاقية واضحا، فالدول الأعضاء ستشعر بأنها تخاطر بإغضاب الولايات المتحدة عند مناقشة مستقبل اتفاقية ترفض أمريكا نفسها الانضمام إليها.
وهذه المعضلة ستزداد تعقيدا بعد تقديم تايوان طلب انضمام إلى الاتفاقية أيضا، ومشهد الدول الأعضاء وهي تبحث علنا ما إذا كانت مستعدة لإثارة غضب الولايات المتحدة أو الصين، يدل في حد ذاته على الانقسام حول هذا الموضوع بالفعل، وسيقوض أي جهد للاتفاق على رؤية بديلة لرؤية الصين لمستقبل هذه المنطقة.
ويرى شارما الباحث في مؤسسة أوبزرفر للأبحاث أن الأمر أكبر من مجرد الادعاءات الخافتة بشأن القيادة الأمريكية للعالم، وإنما سيكون هناك قلق بصورة أكبر بشأن مستقبل العولمة نفسها. فحتى بالنسبة للدول غير الأعضاء في الاتفاقية تحتاج إلى حماية المعايير الرفيعة التي تمثلها اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، فمن حيث المبدأ تتضمن بنودا تقدمية لحماية العمال والبيئة.
كما تتضمن المنافسة العادلة بين الشركات المملوكة للدولة والشركات الخاصة في المنطقة، إلى جانب التزامها بالمعايير الأمريكية لحماية حقوق الملكية الفكرية، ورغم أن العديد من الدول الموقعة على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ حصلت على إعفاءات هنا أو هناك من بنودها، فإن قائمة الإعفاءات التي ستطلبها الصين يمكن أن تقضي على الاتفاقية في الواقع.
كما يمكن أن تتعهد الصين بتطبيق الإصلاحات الضرورية في نظام سيطرتها الاقتصادية بمرور الوقت، بعد انضمامها إلى الاتفاقية، لكن لا يجب أن يصدق أحد هذا الوعد للحظة واحدة بحسب شارما.
وقادة الصين تعهدوا بإجراء الكثير من الإصلاحات بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لكنهم تجاهلوا كل الوعود بمجرد انضمام بلادهم للمنظمة، ولذلك سيكون من الصعب بالنسبة للدول الـ11 الأقل حجما الأعضاء في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ إلزام الصين بتنفيذ تعهداتها.

الأكثر قراءة