اقتصاد سنغافورة يتوسع عبر «تجارة المستودعات» .. السلع والخدمات تمثل 320 % من الناتج

اقتصاد سنغافورة يتوسع عبر «تجارة المستودعات» .. السلع والخدمات تمثل 320 % من الناتج
تعد اتفاقيات التجارة الحرة أحد أعمدة الاقتصاد السنغافوري.

لطالما اتسم اقتصاد سنغافورة بالنمو القوي، والتضخم الخفيف، والبطالة المنخفضة، والاحتياطيات المالية والنقدية الوفيرة، والاستقرار المالي، والانفتاح على التجارة والاستثمار الدوليين. أكثر من ذلك، يمثل مسارا تجارة هذه "المدينة - الدولة"، السلع والخدمات، 320 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما جعلها تتمتع اليوم بواحد من أعلى النواتج المحلية الإجمالية للفرد في آسيا "59819 دولارا".
وعليه قامت منظمة التجارة العالمية أمس الأول بمراجعة "السياسات التجارية لسنغافورة" - مراجعة دورية تشمل جميع الدول الأعضاء تجرى كل عامين/ثلاثة/أربعة أعوام، حسب الدولة.
وكشفت المراجعة عن كثير من العناصر التي تسهم في تعزيز هذا الأداء القوي من خلال سياسات الاقتصاد الكلي السليمة التي أدت إلى زيادة كبيرة في مستويات المعيشة على مدى العقدين الماضيين.
وأظهرت جلسة منظمة التجارة - حضرتها "الاقتصادية" - أنه بين 2016 و2019، توسع الاقتصاد السنغافوري بمعدل سنوي متوسط قدره 3.1 في المائة، مدفوعا بشكل رئيس بالاستهلاك المحلي، وفي بعض الأعوام، بصافي الصادرات، في حين كانت مساهمة إجمالي الاستثمار متواضعة.
غير أن قطاع الخدمات كان المساهم الرئيس في الناتج المحلي الإجمالي "70 في المائة" والعمالة "76 في المائة"، يليه التصنيع "21.5 في المائة"، في حين إن حصص الزراعة والثروة السمكية والمحاجر ضئيلة للغاية.
اقتصاد سنغافورة المنفتح للغاية، أسهم في تحقيق نتائج باهرة، مثلما يكشف تحليل منظمة التجارة. تقول الأرقام "إن التجارة الثنائية للدولة "السلع والخدمات" تمثل 320 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي". جزء كبير من هذا الرقم متأت مما يسمى بـ"تجارة المستودعات" entrepôt trade، وهو مصطلح يشير إلى شكل من أشكال التجارة الدولية، حيث يتم استيراد السلع مؤقتا إلى دولة ما ثم تتم إعادة تصديرها دون توزيع داخل الدولة المستوردة إلى دول أخرى، كجزء من سلسلة معقدة من التوزيع المادي وصفقات التمويل.
"تجارة المستودعات" هي انعكاس لمكانة سنغافورة كمركز تجاري: 55 في المائة من إجمالي صادرات البضائع في 2020 كانت إعادة تصدير. وتشير التدفقات التجارية للدولة إلى أن منطقة آسيا وأوقيانوسيا تشكل سوقها الرئيسة وموردها، على الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "27" ودولا أخرى خارج المنطقة تظل شركاء تجاريين مهمين.
هيمنت المنتجات المصنعة على صادرات سنغافورة "74 في المائة من إجمالي صادرات البضائع"، وتعد الآلات والمعدات الكهربائية "ولا سيما الدوائر الإلكترونية المتكاملة" من أهم عناصر التصدير. تتركز الواردات أيضا في السلع المصنعة، تليها المنتجات النفطية والمعدنية. أهم صادرات الخدمات النقل والخدمات المالية. المقدار الكبير من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوافدة تعكس بيئة سنغافورة الصديقة للأعمال وخطط الاستثمار الجذابة.
وتعد اتفاقيات التجارة الحرة أحد أعمدة الاقتصاد السنغافوري، ودفع هذا الدولة إلى توسيع نطاق اتفاقيات التجارة الحرة الخاصة بها لتشمل قضايا مثل التجارة الإلكترونية وحقوق الملكية الفكرية والمنافسة والمشتريات الحكومية وتسوية المنازعات.
لدى سنغافورة شبكة من 27 منطقة تجارة حرة، منها سبع اتفاقيات في إطار رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان". خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وقعت هذه الدولة الصغيرة سبع اتفاقيات جديدة، وراجعت أو حدثت سبع اتفاقيات أخرى، وأبرمت 13 اتفاقية جديدة للاعتراف المتبادل مع الشركاء التجاريين.
وتبلغ حصة التجارة مع الشركاء المفضلين أكثر من 95 في المائة لكل من الصادرات والواردات. لدى سنغافورة أيضا شبكات واسعة من معاهدات الاستثمار الثنائية والمعاهدات الضريبية.

الإجراءات الجمركية

من عناصر قوة التجارة في هذه الدولة أن إجراءاتها الجمركية هي رقمية بالكامل يتم تنفيذها بطريقة سريعة من خلال "تريدنت" TradeNet، أو النافذة الوطنية الموحدة. أيضا لديها "منصة التجارة الشبكية" NTP، وهي نظام جديد للتجارة والخدمات اللوجستية، يربط اللاعبين عبر سلسلة القيمة التجارية في سنغافورة وخارجها. ستحل هذه الشبكة تدريجيا محل "تريدنت" كمنصة واحدة لتطبيق التصاريح الجمركية.
وتتمثل الأهداف الرئيسة لسياسة سنغافورة التجارية، في توسيع الفرص الخارجية للشركات المحلية، ودعم بيئة تجارية يمكن التنبؤ بها وعادلة، وتقليل العوائق التي تعترض تدفق الواردات والصادرات، عن طريق تحسين بيئة التجارة والأعمال. وأشار ممثل سنغافورة خلال المراجعة إلى أن التداعيات التي أحدثتها جائحة كوفيد - 19 عززت أهمية الحفاظ على اتصال سنغافورة وانفتاحها على العالم.

الضرائب

بموجب جدول تعريفة الدولة الأولى بالرعاية المطبقة في سنغافورة، فإن جميع المنتجات خاضعة لنسبة "صفر" من الضرائب، باستثناء أربعة بنود تعريفية. يتم فرض ضريبة الاستهلاك "ضريبة السلع والخدمات" على السلع المستوردة والموردة محليا بمعدل 7 في المائة. وتفرض رسوم المكوس على بعض المشروبات المحلية والمستوردة ومنتجات التبغ والسيارات ووقود السيارات. وبدأت الدولة منذ 2019 فرض ضريبة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وهناك بعض القيود على الملكية الأجنبية وعلى نطاق الأعمال، وبعض قيود الإقامة على القطاعات التي تعد استراتيجية و/ أو حاسمة للأمن القومي، مثل البث ووسائل الإعلام الإخبارية والخدمات المصرفية للأفراد والخدمات القانونية والمحاسبية، والموانئ والمطارات وملكية العقارات السكنية.
وللتغلب على الحجم المحدود لسوقها المحلية، تدعم سنغافورة الشركات المحلية للتوسع في الأسواق الخارجية من خلال ترويج الصادرات وأنشطة المساعدة على التسويق والدعم المالي والحوافز الضريبية. علاوة على أنه لا توجد ضرائب أو رسوم على الصادرات، فإن الشركات تستفيد من معدل رسوم مخفض على الدخل لمدة ثلاثة إلى خمسة أعوام.
هناك عديد من الحوافز الضريبية وغير الضريبية لمساعدة الشركات التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها. تهدف الحوافز إلى تشجيع الشركات على توسيع الإنتاج والاستثمار، واعتماد تقنيات جديدة، والاستثمار في البحث والتطوير والتدريب، أو لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة. وتستهدف بعض الحوافز صناعات أو أنشطة محددة، مثل الخدمات المالية، والسياحة، والشحن والخدمات البحرية.

الإطار المالي

وفقا لإطارها المالي، حافظت حكومة سنغافورة على ميزانية متوازنة خلال الفترة 2016 - 2019. مع ذلك، تم تسجيل عجز يقدر بنحو 13.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، يرجع ذلك بشكل أساسي إلى زيادة الإنفاق المرتبط بتنفيذ ميزانيات دعم الاقتصاد.
كونها دولة تعتمد على التجارة الخارجية كليا، وجه وباء كوفيد - 19 في 2020 وتدابير الاحتواء ضربة شديدة للاقتصاد السنغافوري، نتيجة لانخفاض الطلب الخارجي واضطرابات سلسلة التوريد. نتيجة لذلك، انكمش الناتج المحلي الإجمالي 5.4 في المائة في 2020.
للتخفيف من التداعيات الاقتصادية للوباء، وضعت مجموعة من التدابير المالية والنقدية من خلال تنفيذ خمس ميزانيات بين شباط (فبراير) وتشرين الأول (أكتوبر) 2020، بقيمة إجمالية مائة مليار دولار سنغافوري "نحو 730 مليون دولار"، أو ما يعادل 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. تضمنت تدابير الدعم التحويلات النقدية، ودعم الدخل، وإعانات الأجور، ودعم تطوير المهارات، وخصومات ضريبة الدخل على الممتلكات والشركات، والإعفاءات من الإيجار، وتوفير التمويل الميسور التكلفة "خاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم"، وحوافز اعتماد تقنيات جديدة.
خلال الفترة 2018 - 2020، سجلت سنغافورة فائضا كبيرا في الحساب الجاري، بلغ متوسطه 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الفوائض الكبيرة في الميزان التجاري للبضائع. نظرا إلى موقعها الخارجي القوي ومكانتها كمركز مالي دولي، فقد راكمت سنغافورة احتياطيات أجنبية ضخمة بلغت 362 مليار دولار في 2020.

التصنيع

التصنيع ركيزة أساسية لاقتصاد سنغافورة، إذ زادت حصته في الناتج المحلي الإجمالي من 18 في المائة في 2015 إلى 21.5 في المائة في 2020، بمتوسط معدل نمو سنوي قدره 4.6 في المائة.
وتهدف سنغافورة إلى الاستفادة من مزاياها التنافسية المتمثلة في اليقين القانوني، وحماية الملكية الفكرية، واتساق السياسات وتماسكها، والقوى العاملة ذات المهارات العالية والمتعلمة للتغلب على قيود حجمها الضئيل في الأرض والعمالة. ولتحقيق هذا الهدف، وضعت الحكومة استراتيجية شاملة لتحويل عديد من القطاعات الصناعية باتجاه تصنيع منتجات تقنية المعلومات والاتصالات.

الخدمات

سنغافورة هي أحد مراكز الخدمات المالية الرئيسة للمصارف والتأمين والأوراق المالية وإدارة الثروات في آسيا. ويعد قطاع الخدمات العمود الفقري لاقتصاد الدولة، حيث يمثل 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. تسهم الخدمات المالية بنسبة 14.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم، حسبما جاء في نقاشات أمس الأول.
تولت سنغافورة تدويل هذا القطاع بدرجة عالية، بتحسين أطرها الاحترازية ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتبسيط نظام الترخيص المصرفي، وإنشاء إطار قانوني لتطوير التقنية المالية وأنظمة الدفع الإلكتروني.

مزايا خاصة بالاقتصاد السنغافوري

لا تكاد توجد أهمية اقتصادية للقطاع الزراعي في سنغافورة، لكن على الرغم من ذلك، فإنها تتمتع بصناعة كبيرة لتجهيز الأغذية والمشروبات. كما لا توجد في سنغافورة أي صناعات لاستخراج المعادن أو النفط أو الغاز، لكنها تعد مركزا إقليميا رئيسا لتكرير النفط.
سنغافورة هي أيضا مركز عالمي وإقليمي للنقل البحري. لديها واحدة من أعلى تركيزات مجموعات الشحن الدولية ومجموعة شاملة من الخدمات البحرية "مثل مكاتب وسطاء السفن وإدارة السفن وخدمات التأمين والخدمات القانونية". نمت جميع مؤشرات المرور تقريبا خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. ظل ميناء سنغافورة مفتوحا للعمليات طوال جائحة كوفيد. ونما كل من الأسطول المملوك لسنغافورة والأسطول الذي يرفع علم سنغافورة. أبرم عديد من خطوط الشحن الأجنبية اتفاقيات مشاريع مشتركة مع هيئة ميناء سنغافورة.

تحديات المستقبل

في المستقبل القريب، تشمل التحديات التي تواجه الاقتصاد السنغافوري تباطؤا محتملا في انتعاش التجارة العالمية للبضائع، وتراجع صادرات خدمات النقل والسفر بسبب القيود المطولة على التنقل العالمي، واستمرار التوترات التجارية التي تشمل الاقتصادات الكبرى، وعدم اليقين بشأن مسار وباء كوفيد - 19.
وأيضا، نظرا إلى موقعها كمركز مالي دولي، فإن سنغافورة معرضة للتقلبات في الأسواق المالية، خاصة أن التدفقات الرأسمالية الكبيرة أدت إلى التزامات أجنبية كبيرة.
وعلى المدى المتوسط، تشمل التحديات الهيكلية شيخوخة السكان السريعة، والحاجة إلى زيادة تحسين توزيع الدخل، وعدم تطابق المهارات في سوق العمل، والتكيف مع التغيير التقني. لمواجهة هذه التحديات، شرعت سنغافورة في خطط لبناء "اقتصاد إنشاء القيمة"، من خلال بناء المهارات والقدرات ودعم الابتكار والرقمنة. من بين الاستراتيجيات لتحقيق هذا الهدف تنفيذ 23 خريطة تحول الصناعة، تغطي نحو 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة.

الأكثر قراءة