رفض مبادرة «99 %» في سويسرا .. مأمن للأثرياء من ضرائب أكبر على رأسمالهم

رفض مبادرة «99 %» في سويسرا .. مأمن للأثرياء من ضرائب أكبر على رأسمالهم
أرادت المبادرة مكافحة زيادة التفاوتات الاجتماعية في سويسرا.

من عجائب تاريخ التصويت في سويسرا، أن السويسريين صوتوا مرة لمصلحة رفع أسعار البنزين، ومرة ثانية لرفع ضريبة القيمة المضافة، ومرة ثالثة لزيادة ضريبة الدخل، ومن هذه الأمثلة العشرات.
أمس الأول، كنس أغنياء البلاد ومناصروهم مبادرة شعبية باسم "99 %" دعت إلى فرض ضرائب عالية على الـ"1 في المائة" من أغنى الأغنياء وتخفيضها على بقية الناس "99 في المائة"، خاصة على ذوي الدخل المنخفض، حيث وصلت نسبة الرفض إلى نحو 64.9 في المائة.
لم يأت الرفض من جانب السويسريين فحسب، بل رفضتها كل المقاطعات السويسرية الـ26، إذ للمقاطعات دور مهم أيضا، كالناخبين، في حسم نتيجة التصويت.
بموجب الدستور السويسري، يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع مائة ألف توقيع تؤيد مبادرته إذا كانت على مستوى البلاد كلها، أو في حدود بضعة عشرات الآلاف إذا كانت المبادرة محلية على مستوى المقاطعة "يعتمد الرقم على عدد سكان كل مقاطعة".
لا تأخذ المبادرة قوة القانون إلا إذا نالت موافقة أكثر من نصف المصوتين على أن يكونوا موزعين على أكثر من نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ26، أو على نصف عدد المصوتين في المبادرات على مستوى المقاطعة.
في المجمل، عارض 1.8 مليون مواطن مبادرة "خفض الضرائب على الرواتب، وزيادتها بالتساوي النسبي على رأس المال" - تعرف أيضا باسم "99 %" -. حصلت الموافقة على نحو 986 ألف صوت. كانت نسبة المشاركة تزيد قليلا على 51 في المائة.
أرادت المبادرة فرض ضريبة بنسبة 150 في المائة على الدخل الرأسمالي - ضمنها الفوائد وأرباح الأسهم والسندات ومكاسب رأس المال أو الإيجارات - عند تجاوزها عتبة معينة. من هذا المبلغ، سيتم فرض ضريبة على كل فرنك إضافي "1.11 دولار" من دخل رأس المال بقيمة 1.50 فرنك "1.66 دولار".
غير أنها اقترحت إعفاء مائة ألف فرنك "112 ألف دولار" في العام من هذه الضريبة، لتجنب مس صغار المدخرين. وهكذا، فإن أول مائة ألف فرنك من دخل رأس المال كان سيخضع للضريبة بنسبة 100 في المائة والباقي مرة ونصف. بالتالي، فإن دافع الضرائب الذي يبلغ دخله الرأسمالي 200 ألف فرنك يخضع للضريبة فقط على الشريحة الثانية البالغة مائة ألف فرنك.
وهكذا، أصبح أغنى الأغنياء في ملجأ آمن من فرض ضرائب أكبر على دخل رأسمالهم، حسبما دعت إليه هذه المبادرة.

إعادة التوزيع

قدر أصحاب المبادرة، التي تقدم بها الشباب الاشتراكيون الأعضاء في الحزب الاشتراكي، أن ما بين خمسة إلى عشرة مليارات فرنك من عائدات الضرائب الإضافية كان يمكن إعادة توزيعها. كان من شأن هذا المبلغ أن يجعل من الممكن تقليل العبء الضريبي للأشخاص ذوي الدخل المنخفض والمتوسط وتمويل المزايا الاجتماعية مثل دور الحضانة أو إعانات التأمين الصحي أو التدريب.
أرادت المبادرة مكافحة زيادة التفاوتات الاجتماعية في سويسرا. وفقا لأصحابها، يمتلك 1 في المائة من أغنى الأشخاص حاليا ما يقرب من 43 في المائة من إجمالي الثروة.
وكانت التعبئة ضد المبادرة قوية. وقادت عدة لجان اقتصادية بقيادة ممثلين عن منظمات ومصارف وقطاعات مالية ومصرفية وصناعية وجامعات وسياسيين وجميع الأحزاب السياسية من الوسط واليمين.
بالنسبة إلى المعارضين، كان من الممكن أن يخل هذا المشروع بالتوازن الحالي، ما يعني أنه كلما ارتفع الدخل، زادت الضرائب. كما أعربوا عن قلقهم من أن ذلك سيضع عبئا ثقيلا على عاتق الشركات، خاصة أثناء وراثة الشركات العائلية. كان من الممكن أن يضر النموذج أيضا بالمشاريع المبتدئة وأن أرباح بيع العقارات ستفرط في الضرائب.
يصف المعارضون المبادرة بـ"المتطرفة". يقولون "إنها غير قادرة على تأسيس مزيد من العدالة، ولا تقليص ثروة فاحشي الثراء، ولا إعادة توزيع الثروة، إذ إن الضرائب في سويسرا مرتفعة نسبيا مقارنة بالمستوى الدولي، وإن فرض مزيد من الضرائب سيؤدي إلى الاستيلاء على الموارد المالية للشركات بشكل كارثي من شأنه أن يؤذي الجاذبية المالية للبلاد".
يوضح هؤلاء أن هناك ضريبة دخل تصاعدية للغاية في سويسرا وهي واحدة من الدول الصناعية القليلة التي تطبق ضريبة الثروة، وأن الأفراد أصحاب الثروات الكبيرة هم الأكثر دفعا للضرائب. في المقابل أي شخص ادخر قليلا من المال أو اشترى منزلا سيتأثر. يجب على أي شخص يدير شركة أو يمتلك مزرعة أو لديه حصة في شركة ناشئة دفع مزيد من الضرائب بسبب هذه المبادرة.
في الواقع، تفرض دول الثراء بالفعل أربع ضرائب على رأس المال: ضريبة على رأس المال، وضريبة على الأرباح، وضريبة على أرباح الأسهم، وضريبة على الثروة. مقارنة بالدول الصناعية الأخرى، يعد هذا مستوى أعلى من المتوسط لضريبة دخل رأس المال.
أما عن "تركيز الثروة"، فيقول المعارضون "إن ما يقرب من نصف ثروة البلاد محتفظ بها في صناديق معاشات تقاعدية وفي مساكن يشغلها مالكوها، وبالتالي فهي ملك للموظفين. وهي تخرج عن قواعد الدستور الذي ينص، في جملة أمور، على أن تكون الضرائب شاملة ومتساوية وقائمة على القدرة الاقتصادية".
بالنسبة إلى لجنة "الوسط التجاري"، بقيادة معسكر كبار رجال الأعمال، فإن النص خطير، لأنه سيئ البناء، إذ لا يحدد ما يجب فرض ضرائب عليه، وإن القانون لا يحدد دخل رأس المال، بل سيكون على المشرع أن يفعل ذلك، ما يفتح الباب أمام كثير من الجشع. يقول هؤلاء "إن أي شخص ادخر قليلا من المال أو اشترى منزلا سيتأثر. يجب على أي شخص يدير شركة أو يمتلك مزرعة أو لديه حصة في شركة ناشئة دفع مزيد من الضرائب إذا ما قبلت هذه المبادرة".
لوحظت أعلى معدلات الرفض في المقاطعات الناطقة بالألمانية حيث تتركز الصناعات: نيدفالدن "77.4 في المائة"، زوك "76.8"، شفايتز "76.6"، وهي مقاطعات معروفة بمنحها امتيازات ضريبية. آركاو "70.1"، كراوبوندن "70.8" زيورخ - العاصمة المالية - "64 في المائة"، لوسيرن "68"، سان كال "69". بنسبة 52 في المائة في مقاطعة بازل حيث تتركز صناعات الأدوية، يكون الرفض الأضعف في المقاطعات الناطقة بالألمانية، تليها مقاطعة جورا "53.1 في المائة" ونوشاتل"55.1 في المائة"، وبيرن "59.3".
في بقية سويسرا الناطقة بالفرنسية، رفضت جنيف النص بـ58.2 في المائة وفريبورج 60.8 في المائة وفو 61.6 في المائة وفاليه 70.1 في المائة.
لم يكن هذا الحكم مفاجئا، إذ لم تتجاوز المبادرة قط 28 في المائة في استطلاعات الرأي. عارضتها الحكومة ودعت إلى التصويت ضدها، وكذلك مجلس النواب بغرفتيه، ولم تحظ بتأييد من غير الحزب الاشتراكي والخضر.

ليست المحاولة الأولى

مبادرة "99 %" هي المبادرة الثالثة التي أطلقها الشباب الاشتراكي خلال الأعوام العشرة الماضية. تم رفض الجميع من قبل السكان. أما المبادرة الشعبية "1:12 - للأجور العادلة" فقد رفضت في 2013 بـ65 في المائة من الأصوات ورفضت مقابل المضاربة الغذائية بـ59.9 في المائة في 2016.
على الرغم من هذه الضربة، لا ينوى أصحاب المبادرة الاستسلام. أعلنوا في لقاءات أجرتها "الاقتصادية" في المراكز الانتخابية إطلاق مبادرة جديدة للحد من الثروات الكبيرة بـ100 مليون فرنك واستخدام كل الأموال التي تتجاوز قيمتها لمواجهة أزمة المناخ والأزمة الاجتماعية.
من جانب آخر، رفضت مقاطعة أوري - ناطقة بالألمانية - مبادرة خاصة بها تمنح حق التصويت لمن هم في سن 16 و17 عاما. وهكذا أخفقت هذه المقاطعة في أن تصبح ثاني مقاطعة في الدولة تمنح حق التصويت في داخل المقاطعة لمن هم في سن المراهقة، بعد مقاطعة، جلاروس، الناطقة بالألمانية أيضا.
رفضت المبادرة بأغلبية 67.87 في المائة، بنسبة مشاركة 48.4 في المائة.

الأكثر قراءة