الاقتصاد المعتدل يحتضر «1 من 2»
تـرى كيف يتطور الاقتصاد العالمي والأسواق خلال العام المقبل؟ هناك أربعة سيناريوهات قد تتحقق في أعقاب "الركود التضخمي المعتدل" الذي دام طوال الأشهر القليلة الأخيرة.
في الآونة الأخيرة، تراجع التعافي الذي شهده النصف الأول من 2021 ليفسح المجال لنمو أبطأ بشكل حاد وطفرة في التضخم أعلى كثيرا من هدف 2 في المائة الذي حددته البنوك المركزية، بسبب التأثيرات المترتبة على تفشي المتحور دلتا، واختناقات العرض في أسواق السلع وأسواق العمل، ونقص بعض السلع والمدخلات الوسيطة والسلع النهائية والعمالة. كما انخفضت عائدات السندات في الأشهر القليلة الأخيرة، وكان التصحيح الأخير في سوق الأسهم متواضعا حتى الآن، وهو ما قد يعكس الآمال في أن يكون الركود التضخمي المعتدل مؤقتا.
تعتمد السيناريوهات الأربعة على ما إذا كان النمو يتسارع أو يتباطأ، وما إذا كان التضخم سيظل أعلى على نحو مستمر أم يتباطأ. يتوقع المحللون في وول ستريت ومعظم صناع السياسات سيناريو "الاقتصاد المعتدل" الذي يتسم بنمو أقوى، إلى جانب تضخم معتدل يتماشى مع هدف 2 في المائة. وفقا لهذا المنظور، كانت نوبة الركود التضخمي الأخيرة مدفوعة إلى حد كبير بتأثير المتحور دلتا. وبمجرد انحسار هذا التأثير، ستختفي أيضا اختناقات العرض، شريطة عدم ظهور متحورات جديدة خبيثة. عندها سيتسارع النمو بينما ينخفض معدل التضخم.
من منظور الأسواق، سيمثل هذا استئنافا لتوقعات "تجارة الانكماش" التي ترجع إلى وقت سابق من هذا العام، عندما كان المأمول أن يدعم النمو الأقوى أرباحا أقوى؛ بل حتى أسعار أسهم أعلى. في هذا السيناريو الوردي، ينحسر التضخم، مع الإبقاء على توقعات التضخم ثابتة عند مستوى 2 في المائة تقريبا، وارتفاع عائدات السندات تدريجيا جنبا إلى جنب مع أسعار الفائدة الحقيقية، وستكون البنوك المركزية في وضع يسمح لها بخفض برامج التيسير الكمي تدريجيا دون أن تتسبب في زعزعة استقرار أسواق الأسهم أو أسواق السندات. في أسواق الأسهم، سيحدث تدوير للأسهم من الأسواق الأمريكية إلى أسواق أجنبية (في أوروبا، واليابان، والأسواق الناشئة)، ومن أسهم النمو والتكنولوجيا والدفاع إلى الأسهم الدورية وأسهم القيمة.
ينطوي السيناريو الثاني على "فرط النشاط". هنا، سيتسارع النمو مع زوال اختناقات العرض، لكن التضخم سيظل أعلى بعناد، لأن أسبابه لن تكون مؤقتة. في ظل ارتفاع المدخرات غير المنفقة والطلب المكبوت المرتفع بالفعل، لابد أن يفضي استمرار السياسات النقدية والمالية المفرطة التساهل إلى تعزيز الطلب الكلي بدرجة أكبر. وسيكون النمو الناتج عن هذا مرتبطا باستمرار التضخم الأعلى من المعدل المستهدف، وهذا يثبت بطلان اعتقاد البنوك المركزية بأن زيادات الأسعار مؤقتة.
عندئذ ستتوقف استجابة السوق لمثل هذا النشاط المفرط على الكيفية التي ستتفاعل بها معه البنوك المركزية. إذا ظل صناع السياسات وراء المنحنى، فقد تستمر أسواق الأسهم في الارتفاع لبعض الوقت مع بقاء عائدات السندات الحقيقية عند مستوى منخفض. لكن الزيادة اللاحقة في توقعات التضخم قد تعزز في نهاية المطاف عائدات السندات الاسمية؛ بل حتى الحقيقية مع ارتفاع علاوة مخاطر التضخم، وهذا من شأنه أن يفرض التصحيح على أسعار الأسهم. بدلا من ذلك، إذا اتخذت البنوك المركزية موقفا متشددا وبدأت تكافح التضخم، فسترتفع الأسعار الحقيقية؛ ما يؤدي إلى ارتفاع عائدات السندات، ومرة أخرى، تصحيح أكبر لأسعار الأسهم.
يتمثل سيناريو ثالث في الركود التضخمي المستمر، مع ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو كثيرا في الأمد المتوسط. في هذه الحالة، سيستمر تعزز التضخم بفعل السياسات النقدية والائتمانية والمالية المتساهلة. وستناضل البنوك المركزية، التي وقعت في فخ الديون العامة والخاصة المرتفعة، لتطبيع الأسعار دون أن تتسبب في انهيار الأسواق المالية... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021