الاقتصاد المعتدل يحتضر «2 من 2»
قد تتسبب مجموعة من صدمات العرض السلبية المستمرة في الأمد المتوسط في الحد من النمو بمرور الوقت ودفع تكاليف الإنتاج إلى الارتفاع، ما يضيف إلى الضغوط التضخمية. كما أشرت سابقا، قد تنبع مثل هذه الصدمات من تراجع العولمة وارتفاع تدابير الحماية، وتفتت سلاسل التوريد العالمية، والشيخوخة الديموغرافية (السكانية) في الاقتصادات النامية والناشئة، والقيود المفروضة على الهجرة، و"الانفصال" الصيني الأمريكي، والتأثيرات التي يفرضها تغير المناخ على أسعار السلع، والأوبئة، والحرب الإلكترونية، وردة الفعل العنيفة ضد فجوات التفاوت في الدخل والثروة.
في هذا السيناريو، سترتفع عائدات السندات الاسمية إلى مستويات أعلى كثيرا مع تقلب توقعات التضخم. وستكون العائدات الحقيقية أيضا أعلى (حتى إذا ظلت البنوك المركزية وراء المنحنى)، لأن نمو الأسعار السريع المتقلب من شأنه أن يعزز علاوة المخاطر على السندات الأطول أجلا. في ظل هذه الظروف، ستكون أسواق الأسهم مستعدة لتصحيح حاد، وربما إلى منطقة السوق الهابطة (يعكس هذا انخفاضا بنسبة 20 في المائة على الأقل من أعلى مستوى بلغته أخيرا).
يتسم السيناريو الأخير بتباطؤ النمو. قد يتبين أن ضعف الطلب الكلي ليس مجرد نوبة ذعر عابرة بل هو في حقيقة الأمر نذير بالوضع الطبيعي الجديد، وخاصة إذا جرى سحب التحفيز النقدي والمالي قبل الأوان. في هذه الحالة، سيؤدي انخفاض الطلب الكلي وتباطؤ النمو إلى انخفاض التضخم، وستخضع الأسهم للتصحيح حيث تعكس توقعات النمو الأضعف، وستزداد عائدات السندات انخفاضا (لأن العائدات الحقيقية وتوقعات التضخم ستكون أقل).
تـرى أي من هذه السيناريوهات أكثر ترجيحا؟ في حين كان معظم المحللين وصناع السياسات يدفعون بالسيناريو المعتدل، فأنا أخشى أن يكون سيناريو فرط النشاط الاقتصادي هو الأكثر ترجيحا. فنظرا للسياسات النقدية والمالية والائتمانية المتساهلة اليوم، سيتسبب انحسار المتحور دلتا وما يصاحبه من اختناقات العرض في زيادة النمو بشكل مفرط، وهذا سيجعل البنوك المركزية عالقة بين المطرقة والسندان. ففي مواجهة فخ الديون واستمرار التضخم عند مستوى أعلى من المستهدف، يكاد يكون من المؤكد أن يؤدي هذا إلى تثبيط همة البنوك المركزية وتخلفها عن المنحنى، حتى مع بقاء السياسات المالية أكثر تساهلا مما ينبغي.
لكن في الأمد المتوسط، بينما تضرب الاقتصاد العالمي مجموعة متنوعة من صدمات العرض السلبية المتواصلة، قد تنتهي بنا الحال إلى ما هو أسوأ كثيرا من الركود التضخمي المعتدل أو فرط النشاط: ركود تضخمي كامل مصحوب بمعدل نمو أقل كثيرا ومعدل تضخم أعلى كثيرا. الواقع أن إغراء خفض القيمة الحقيقية لنسب الديون الاسمية الضخمة ذات أسعار الفائدة الثابتة من شأنه أن يقود البنوك المركزية إلى التكيف مع التضخم، بدلا من محاربته، والمجازفة بالتسبب في انهيار الاقتصاد والسوق.
لكن نسب الدين اليوم (الخاصة والعامة) أعلى كثيرا مما كانت عليه خلال فترة سبعينيات القرن الـ20 التي اتسمت بالركود التضخمي. وسيواجه وكلاء القطاعين العام والخاص المثقلون بالديون ومن أصحاب الدخول الأقل كثيرا شبح الإفلاس بمجرد أن تدفع علاوة مخاطر التضخم أسعار الفائدة الحقيقية إلى الارتفاع، ما يمهد الساحة لأزمات ديون الركود التضخمي التي حذرت منها.
في نهاية المطاف، قد يتبين لنا أن السيناريو المفرط التفاؤل المثمن في الأسواق المالية حاليا مجرد حلم بعيد المنال. وبدلا من التركيز الـمـرضي على السيناريو المعتدل، ينبغي للمراقبين الاقتصاديين أن يتذكروا "كاساندرا" (أميرة طروادة التي دأبت على التنبؤ بسوء الطالع)، التي قوبلت تحذيراتها بالتجاهل إلى أن فات الأوان وسبق السيف العذل.
خاص بـ «الاقتصادية»
روجيكت سنديكيت، 2021.