خبراء: برامج الحماية والادخار أفضل سبل التخطيط للاستقرار المالي .. التأمين علاج لمخاطر المشاريع الصغيرة
تعد برامج الحماية والادخار أحد برامج تطوير القطاع المالي، الذي يدعم تنمية الاقتصاد الوطني، الذي يتوافق مع رؤية 2030. ويهدف البرنامج إلى تطوير القطاع المالي وجعله فعالا ويدعم الاقتصاد الوطني وتحفيز الادخار من خلال تطوير وتعميق مؤسسات القطاع المالي.
وأكد لـ"الاقتصادية"، عصام الصغير، مدير مبيعات الشركات في شركة الأهلي للتكافل، أن برامج الحماية والادخار من أفضل سبل التخطيط والاستقرار المالي، الذي أصبح ضرورة حياتية، وليس نوعا من أنواع الرفاهية.
مبينا أن ثقافة الادخار لا يمكن بناؤها سريعا، ولكن تستلزم جهودا متضافرة من الأفراد أنفسهم، حيث قامت الدولة بجهود كبيرة في وضع البرامج والمبادرات، التي تهدف إلى إيجاد هذه الثقافة وتعزيزها بين أفراد المجتمع، مشيرا إلى أن البنك المركزي يعمل جاهدا لتطوير هذا القطاع ويتعاون مع شركات التأمين لحث الفرد على الادخار لحماية الأسرة والمجتمع.
ويبلغ معدل الادخار في الأسر السعودية مستوى متدنيا، إذ يبلغ 6 في المائة فقط من الدخل السنوي المتاح، وذلك استنادا إلى بيانات الهيئة العامة للإحصاء، وهذه النسبة أقل بكثير من المعدل العالمي البالغ 10 في المائة والمعترف به عالميا كحد أدنى لضمان الاستقلالية المالية على المدى الطويل، وذلك حسب وثيقة برنامج تطور القطاع المالي 2020. وإذا نظرنا لتجارب بعض الدول الأخرى في مجال الادخار سنجد أن الصين والهند في مقدمة العالم في معدلات الادخار، حيث تصل نسبة ادخار الأسر في الصين إلى 40 في المائة، وفي الهند إلى 23 في المائة، في المقابل، ارتفع معدل الاستهلاك لدينا خلال الأعوام العشرة الماضية إلى 36 في المائة، وهو يرتكز على السلع الكمالية. ومن أبرز الحلول تأتي رؤية المملكة 2030 باستهدافها رفع نسبة ادخار الأسر السعودية من إجمالي الدخل من 6 في المائة إلى المعدل العالمي 10 في المائة، بغرس ثقافة الادخار في داخل المجتمع وعلى مستوى الفرد أولا. وعلى الفرد الموازنة بين الادخار والاستثمار، وهنا يأتي الدور المهم لبرامج الحماية والادخار، التي تتضمن أيضا جانب الاستثمار.
كما أوضح خالد بسيوني، مدير دعم عمليات الاكتتاب وتطوير المنتجات في الشركة العالمية للتأمين التعاوني "زميل معهد التأمين القانوني في لندن"، أن المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر دائما ما تكون عرضة لمخاطر كثيرة قد لا يكون صاحبها على علم بها أو غير مدرك لأبعادها أو توابعها، وذلك لأن صاحب المشروع الصغير دائما ما يكون هو محور المشروع أو النشاط التجاري. ونقصد هنا بالمشروع الصغير هو، ذلك النشاط التجاري أو الصناعي أو الخدمي، الذي يعمل فيه عدد يراوح بين الأربعة والعشرة عمال وموظفين، بمن فيهم صاحب النشاط، أما المشروع متناهي الصغر، فإن عدد عماله لا يتجاوز الثلاثة، بمن فيهم صاحب النشاط، وتكون هشة من حيث البنيان والتكوين، وبالتالي القدرة على التعامل مع المشكلات والمخاطر، التي تواجهها.
ولذلك، فإن التأمين على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر هو العلاج الناجح لمشكلات المخاطر المادية، التي تواجه النشاط الاقتصادي الصغير.
مبينا أن من أسباب عدم قدرة المشروع الصغير والمتناهي الصغر على مواجهة التحديات والمخاطر هو عدم استعداد صاحب المشروع لأي تغيرات اقتصادية محتملة تواجه النشاط، ما يترتب عليه تغيرا في بيئة العمل قد يتعرض لخسائر مالية ضخمة قد تؤدي إلى الإفلاس.
كما أشار بسيوني إلى أن هناك جهلا بماهية التأمين، إذ إن أغلب تلك المشاريع ليس لها في الأساس حساب بنكي، وهذا يترتب عليه عدم الاستعداد لأخطار مثل السرقة والحريق وإصابات العمال، وما شابه ذلك.
وأكد بسيوني أهمية التأمين للمشاريع متناهية الصغر، إذ إن هذا التأمين يوفر كل التغطيات التأمينية، التي يحتاج إليها صاحب المشروع الصغير والمتناهي الصغر في وثيقة واحدة ذات تكلفة زهيدة، ولا تمثل عبئا ماليا على صاحب المشروع، وتوجد بعض شركات التأمين في السوق السعودية حاليا تقدم وثيقة تأمين مجمعة للأنشطة المتوسطة والصغيرة، ولكن لا يوجد وثيقة مصممة بشكل كامل للمشروع متناهي الصغر، لذا فإن صياغة مثل هذه الوثيقة، التي تخاطب أصحاب المشاريع متناهية الصغر ستكون حتما ممتازة لأصحاب تلك المشاريع. كما أن الاهتمام بإيجاد طلب على هذه الوثيقة من خلال نشر الوعي سيكون محفزا لشركات التأمين على إيجاد وثيقة تأمين مناسبة لاحتياجاتهم التأمينية وبسعر منافس.
من جهة أخرى، أوضح أحمد القريشي، المدير الاكتواري، ومدير إدارة المخاطر للشركة السعودية لإعادة التأمين التعاوني "إعادة" زميل في جمعية الاكتواريين الأمريكية SOA، أن العلوم الاكتوارية علم يعتمد على عدد من العلوم - مثل علوم الرياضيات والإحصاء، والاقتصاد وغيرها - من أجل تطبيق المبادئ الاكتوارية. فمثلا، لحساب قسط تأمين المركبة، يستخدم الاكتواري علم الإحصاء في حساب احتمال حادث، وكذلك متوسط تكلفة إصلاح المركبة. لذا، فإن مهنة الاكتواري تحتم المعرفة والتمكن من عدة علوم. ويعرف الخبير الاكتواري بأنه الشخص الحاصل على عضوية الزمالة من جمعية اكتوارية معترف بها، مثل جمعية الاكتواريين الأمريكية. ويتطلب الحصول على الزمالة اجتياز عديد من الاختبارات والمتطلبات المهنية، التي غالبا ما تستغرق من ستة إلى ثمانية أعوام لإتمامها. لهذا السبب، فإن نسبة قليلة جدا ممن بدأ الاختبارات الاكتوارية ينتهي بالحصول على الزمالة، ما يؤدي إلى قلة عدد الاكتواريين المؤهلين في العالم، مقارنة بالمهن الفنية الأخرى.
ومهنة الاكتواري في المملكة مهنة حديثة، مقارنة بالدول المتقدمة، حيث تم خلال الأعوام العشرة الماضية إنشاء برامج أكاديمية في جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وتم تخريج عدة دفعات من الخريجين والذين يقومون بالعمل في عدة قطاعات إلى جانب قيامهم بالتحضير للاختبارات ومتطلبات شهادة الزمالة.
وتعد العلوم الاكتوارية أحد العلوم، التي تعتمد على عدد من المبادئ الاكتوارية، حيث يعمل الاكتواريون في شركات التأمين وبالأخص تأمين الحماية والادخار ومعاشات التقاعد لحساب الالتزامات المستقبلية، التي قد تمتد لعشرات الأعوام، ونظرا إلى القيمة المضافة لمهنة الاكتواريين فقد امتد دورهم لكثير من المجالات، مثل شركات المحاسبة، الاستشارات، الاستثمار، والبنوك.
ومنذ صدور اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، ولأهمية دور الاكتواريين في قوة الملاءة المالية لقطاع التأمين وملاءة وعدالة الأسعار، أصدر البنك المركزي في 1434هـ عديدا من التعاميم، فيما يخص تسعير المنتجات "على سبيل المثال تأمين المركبات والتأمين الطبي"، وكان دور الاكتواري هو تقدير الأسعار بناء على طرق اكتوارية عادلة ومتوافقة مع الممارسات العالمية في هذا المجال. وفي 1437هـ، أصدر البنك المركزي اللائحة التنظيمية للأعمال الاكتوارية لشركات التأمين و/أو إعادة التأمين، التي تضمنت تفصيلا لمهام الاكتواري، فيما يخص تسعير المنتجات، تقدير المخصصات، الملاءة المالية، الاكتتاب، ونسب الاحتفاظ.
ولضمان توافر كوادر سعودية مؤهلة قام البنك المركزي منذ صدور النظام بتوظيف وتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية، إضافة إلى مطالبة شركات التأمين بتوظيف وتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية في هذا التخصص. وفي 1441هـ أصدر البنك المركزي ضوابط الأعمال الاكتوارية المتعلقة بالتأمين، لتحل محل اللائحة التنظيمية للأعمال الاكتوارية لشركات التأمين و/أو إعادة التأمين الصادرة بعام 1437هـ، التي تضمنت إنشاء إدارة اكتوارية تتناسب مع حجم ونوعية أعمال شركة التأمين خلال ستة أشهر من تاريخ صدور الضوابط. ونظرا إلى الجهود المذكورة فقد تم توظيف، وتدريب وتأهيل العشرات من الكوادر الوطنية في الشركات السعودية، خصوصا في شركات التأمين والبنوك والهيئات والجهات الحكومية.
الجدير بالذكر أنه توجد حاليا جهود حثيثة لتأسيس جمعية اكتوارية محلية للسعوديين للقيام بدورها في متابعة وتأهيل وتدريب الاكتواريين السعوديين وتطوير المهنة، لتصبح المملكة من الدول الرائدة والمتقدمة في مجال العلوم الاكتوارية.