إيطاليا والآفاق الاقتصادية والطموحات «2 من 2»
إن صندوق "الجيل المقبل للاتحاد الأوروبي" يعكس توجها جديدا بالنسبة للاتحاد، فبعد أن تسبب الانهيار المالي العالمي في 2008 في سلسلة من أزمات الديون في جميع أنحاء أوروبا، كانت هناك مقاومة شديدة للمقترحات المتعلقة بالتحويلات المالية وفي نهاية المطاف تم تبني رأي دعاة التقشف. لكن ليست هذه المرة التي يمكن فيها تفسير الفرق بشكل جزئي من خلال حقيقة أن الجائحة ضربت كامل الاقتصاد العالمي، بينما تم إلقاء اللوم فيما يتعلق بأزمات الديون التي تلت أزمة 2008 على "المسؤولية المالية" لدول معينة، وإضافة إلى ذلك كانت هناك شكوك قوية في ذلك الوقت تتعلق بقدرة بعض الحكومات على استخدام أي أموال يتم تحويلها إليها بحكمة، ولكن بغض النظر عن الدافع فقد عانى الاتحاد الأوروبي بشدة مقاربته لمرحلة ما بعد 2008 التي قوضت بشكل كبير من التماسك والتضامن، خاصة في اقتصادات جنوب أوروبا المضطربة.
يبدو أن العكس يحدث حاليا ففي حالة إيطاليا، فإن الثقة بنزاهة وكفاءة الحكومة تنتج عنه بالفعل استثمارات أجنبية ومحلية أكبر على الرغم من أن برنامج الإصلاح لا يزال في مراحله المبكرة. إن الانطباع نفسه - أن مما لا شك فيه أنه انطباع تعزز بفضل تجربة دراجي الأوروبية التي لا تشوبها شائبة - يدفع الاتحاد الأوروبي أيضا إلى أن يكون أكثر استعدادا للدعم المالي ما يعزز ثقة المستثمرين بشكل أكبر.
وتسلط إيطاليا الضوء على كيف يمكن للتفاؤل، في ظل الظروف المناسبة، أن يصبح نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها. هناك توجه للتفكير بالتوقعات على أنها تعكس الحقيقة على أرض الواقع، ولكن نظرا لأن التوقعات تحرك القرارات الاستثمارية، فإنها يمكن أن تساعد على تشكيل ذلك الواقع، ومن الناحية الاقتصادية هي جزء لا يتجزأ من النظام أي أنها عبارة عن نتائج ومدخلات في آن واحد.
من المؤكد أنه إذا انحرفت التوقعات بشكل كبير عن الواقع الأساسي، فستتم إعادة ضبطها في نهاية المطاف، ولكن التفاؤل الذي يرافقه إصلاح فعال يمكنه أيضا دعم التحول من أنماط منخفضة النمو إلى أنماط عالية النمو، وبالمثل فإن التشاؤم قد يقوض الاستثمار والنمو، علما أنه من الأفضل فهم كثير من تجارب الاقتصاد الناشئ في التحول إلى نمو أعلى مستدام من خلال تلك الدينامية.
إن هذه التجربة سلطت الضوء كذلك على محدد رئيس للنتيجة: القيادة. إن وجود حكومة تستطيع الدفع قدما برؤية تحسين الأداء الاقتصادي وأن تزرع الثقة بقدرتها على تحقيق تلك الرؤية ستحسن بشكل جذري من فرص الاقتصاد في التحول من توازن عدم النمو إلى نمط النمو المرتفع والمستدام، وهذا ما نشهده حاليا في إيطاليا علما أن الدعم المالي الأوروبي يوفر رافعة إضافية.
يبقى أن نرى ما إذا كانت إيطاليا قد وصلت بحق إلى نقطة تحول اقتصادية، حيث لا يزال يتعين على الحكومة تنفيذ استثمارات كبيرة وبرنامج إصلاحي، ومن الممكن أن تظهر عديد من العقبات، ولكن نظرا لأنه يبدو أن إدارة دراجي قد أزالت بالفعل عبء التوقعات المنخفضة وضعف الثقة فإن الآفاق الاقتصادية لإيطاليا تعد أفضل مما كانت عليه منذ فترة طويلة جدا.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكت ،2021.