المواصفات والإعفاءات الضريبية لتحفيز الصناعة
تتبوأ كثير من الدول الصناعية دور الريادة في الصناعة سواء كانت صناعات ثقيلة أو خفيفة أو صناعة نفطية أو بتروكيماوية أو صناعات غذائية أو غيرها من الصناعات كالحرفية واليدوية، بغض النظر عن حال مواردها الطبيعية وأيضا عن الاحتياجات الأساسية لهذه الصناعات من المواد الخام طالما أنها تمتلك زمام التقنية اللازمة للتصنيع، فتعمد لاستيراد احتياجاتها من هذه المواد من الدول ذات الوفرة لهذه المواد الخام بأسعار منخفضة واستخدامها في هذه الصناعات المختلفة وإعادة تصديرها بأثمان تفوق قيمتها عشرات أو مئات المرات.
بل تعمد تلك الدول إلى إعفاء هذه المواد من الرسوم أو خفضها لتستفيد قاعدة عريضة كالقطاعات الصناعية من التوسع في منشآتها، ما يعود على هذه البلاد بفوائد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، فالتوسع في إنشاء هذه المصانع يتيح فرصا لآلاف بل ملايين الوظائف لمواطني تلك الدول، ما يحقق لهم استقرارا اقتصاديا واجتماعيا، ويخفض نسب البطالة لديهم ويعزز دور الجامعات ومرافق التعليم بمخرجات مستمرة تجد فرصها للعمل وتزيد من الناتج المحلي لهذه الدول، وكذلك يؤدي خفض أو إعفاء المواد الخام المستوردة من الرسوم إلى جعل منتجات هذه البلاد منافسة، فعندما تقل تكلفة الإنتاج تحقق هذه المنتجات هامش ربح قادر على منافسة منتجات دول لديها رسوم وضرائب أعلى، ويمكن هذه المنتجات من الالتفات للجودة ورفع معاييرها ما يعطيها ميزة وسمعة تتسم بها منتجات دول دون أخرى، بل إن وجود رسوم وضرائب عالية على مدخلات الإنتاج يحد من توسع الصناعة وربما هجرة بعض الصناعات المحلية القائمة بتلك الدول للبحث عن دول تستطيع ممارسة الإنتاج فيها بتكلفة منافسة، ولذلك يعمد كثير من الدول إلى إنشاء مناطق حرة ضمن مرافقها الاقتصادية لإعطاء مصانعها مرونة في الإنتاج وتخفيف بعض القيود عنها، خاصة المقابل المالي لمنتجاتها والعاملين فيها لتحقيق مكاسب أكثر غير مباشرة منها.
ومن فوائد الإعفاءات الضريبية أو تقليلها على المواد الخام اللازمة للتصنيع رفع التحصيل الضريبي العام والدخل لهذه الدول، فإنه لا يقارن العائد الضريبي على المواد الخام ومدخلات الإنتاج بالعائد الإيجابي على السلع والمنتجات عندما تتوسع الصناعة وتنمو جراء طرق التحفيز المتعددة، وأهمها خفض العائد المالي مع تحقيق الفوائد غير المباشرة التي تمكن دافعي الضرائب من المقدرة على الدفع والتوسع في الدفع لدعم الاقتصاد المحلي.
إن كثيرا من الدول ذات الاقتصادات العالية مثل الدول الأوروبية وبعض دول شرق آسيا، بل حتى الولايات المتحدة والصين تستورد معظم احتياجات صناعاتها من المواد الأولية والخامات من دول فقيرة أو أقل نموا. وتبقى الصناعات بكل أنماطها الثقيلة والخفيفة والمنتجات الصناعية والغذائية هي العمود الفقري والأساس لقيام اقتصاد قوي يحقق الأهداف الطموحة والتنمية الشاملة ويجعل الخطط التنموية في مسار أسرع تحقيقا، وتبقى حوافز الإنتاج ودعم الصادرات والإعفاءات الضريبية وخفضها من أهم الأسس لقيام صناعة قوية ومنافسة وبيئة جاذبة للاستثمارات واستقرار الصناعات المحلية لهذه الدول والحد من هجرتها.
إن التنمية الصناعية في دول مثل اليابان والصين وكوريا وغيرها عندما بدأت بالتوسع الأفقي وتقديم منتجات رخيصة الثمن ومتعددة الأغراض والوصول لأكبر قاعدة من المستهلكين، وفيما بعد تلتفت للاهتمام بالمواصفات والجودة والنوعية، فإن الدول الناشئة في المجال الصناعي ينبغي لها أن تخفف القيود والمواصفات التي تضاهي دولا صناعية متقدمة جعلت من هذه المواصفات وسائل حماية وحواجز لحماية منشآتها ومنتجاتها.
عندما تستهدف أسواق ترغب في منتجات استهلاكية رخيصة الثمن ولو لم تكن بمواصفات وخامات غالية الثمن مثل بعض الأسواق الإفريقية المجاورة، فإنه من الذكاء الإنتاجي أن تكون لديك منتجات خاصة بالتصدير تحقق لهؤلاء أهدافهم وفق مقدرتهم المالية، وتكون لديك أنظمة تحكمها هذه الممارسات دون إلزام كل صناعتك المحلية بجودة وخامات عالية، إضافة إلى الرسوم والمقابل المالي ما يجعلها غير قابلة للمنافسة أو الصمود لفترات طويلة، وبعدها تجد مصانع ومتاجر تنادي "بالتقبيل" يعقبها الإقفال والإفلاس وتسريح العاملين وانقطاع العوائد المالية للمستثمرين والنظام الضريبي والاقتصاد الوطني معا.
إن ما يرد للمملكة من منتجات دول، خاصة الآسيوية والإفريقية وبعض الدول الأخرى لا تنطبق عليها المواصفات نفسها التي تحكم مثيلاتها من منتجاتنا المحلية، ورغم الفخر والاعتزاز بجودة منتجاتنا المحلية ورقي معاييرها الذي أكسبها سمعة طيبة، لكن نحتاج في الوقت نفسه إلى رفع معايير مواصفات المنتجات المماثلة الواردة من الخارج ورفض ما لا يتطابق مع هذه المواصفات معاملة بالمثل وتغليبا للمصلحة الوطنية، ولإعطاء ميزة تنافسية وتفضيل لمنتجاتنا المحلية وهو ما عبرت عنه الأوامر الملكية الحديثة وأعلنته هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية على صفحتها الرسمية بتاريخ 06 صفر 1443هـ الموافق 13 أيلول (سبتمبر) 2021 عن إصدار النسخة الأولى من القائمة الإلزامية للأغذية والمنتجات الزراعية، التي تتضمن 28 منتجا في مقدمتها منتجات اللحوم والدواجن والأسماك ومنتجات الألبان ومشتقاتها.