التواصل الفعال والابتكار

مع كثرة تداول مواضيع الابتكار والحديث عن أهميته وضرورة تضمينه في استراتيجيات المؤسسات والشركات، إلا أن مفهوم الابتكار يستحيل أن تجد له تعريفا أو فهما يجمع عليه المعنيون أو المختصون بالابتكار. وحتى تستحث المنشآت موظفيها على الإبداع والابتكار، لا بد من الانطلاق من قاعدة صلبة وتوصيف دقيق لمعنى الابتكار وما المقصود به. وهذا يستلزم ابتداء من إعداد استراتيجية محكمة للتواصل الفعال، تتواصل بها المؤسسات مع منسوبيها لتوضح لهم استراتيجيتها الأساسية وأهدافها من الابتكار، وما معاني الابتكار التي ترمي إليها.
بعد إيصال رسالة ومعنى الابتكار لجميع الموظفين بشكل منسجم مع استراتيجية وأنشطة المؤسسة، تأتي مرحلة الإقناع بأهمية الابتكار والأهداف الرئيسة منه. إن الحصول على تأييد جميع الموظفين بأهمية الابتكار وضرورته تعد خطوة أساسية في ترسيخ تلك الثقافة وتعزيزها في نفوس الموظفين، الذين تتوقف عجلة الإبداع والابتكار في غياب مساندتهم.
إن من مهام التواصل الفعال لتوسيع نطاق ودائرة تأثير الابتكار، إزالة المفاهيم المغلوطة أو بعض الأفكار غير الدقيقة في المراحل الأولى من التسويق لمفهوم الابتكار. ومن ذلك أن الابتكار، على سبيل المثال، يختص بفرق البحث والتطوير، أو بالموظفين ذوي التخصصات العلمية والشهادات العليا، وهذا غير صحيح على إطلاقه. أو الاعتقاد بأن الابتكار يتمحور حول توليف منتجات تقنية صرفة أو تطوير تطبيقات على أجهزة ذكية، هذه بعض مخرجات الابتكار، ولكن مفهومه يمتد ليشمل جوانب أخرى.
وإضافة كلمة "فعال" إلى مفردة "تواصل" تؤكد التواصل المؤدي للنتائج، والموصل للرسالة بمعناها المقصود إلى الطرف الآخر. فلا يسمى التواصل فعالا بمجرد الإعلان عن توجه المؤسسة وأهدافها الابتكارية داخليا، إلا بعد ضمان أن الموظف المتلقي للرسالة قد وعاها وفهم مقصدها. وهنا يأتي دور الاستماع لفرق العمل والأخذ بآرائهم ومقترحاتهم، فالتواصل الفعال يعمل باتجاهين متقابلين، تحدث واستماع. ولنشر بيئة صحية للابتكار، من الضروري نشر ثقافة إيجابية تحترم فيها آراء المتحدثين، ويتجنب التقليل من أهمية أفكارهم أو مقترحاتهم، بل تناقش بموضوعية وحيادية. وأذكر بهذا الصدد دراسة أجريت على مجموعة من الطلبة حول أهم العوامل التي تعزز من الإبداع لديهم، فكانت النتيجة تشير إلى أن الشعور بالأمان من عدم انتقاد أو تحقير الآخرين لأفكارهم يأتي في المقام الأول.
وعند الحديث عند التواصل الفعال يجب ألا تغفل أهمية مشاركة المشاريع الابتكارية وقصص النجاح التي تحققت داخل المؤسسة مع الموظفين. إن التجارب الناجحة غالبا ما تستحث همم الآخرين وتلهب فيهم روح الحماس للسير في المضمار نفسه. إن مشاركة الإنجازات ذات الطابع الابتكاري وتسويقها داخليا يوطد روح التعاون بين الموظفين أو بين الإدارات والقطاعات المختلفة داخل المؤسسة. كما قد يساعد تسويق منجزات الابتكار على ترسيخ مفهوم الابتكار وتجذره في بيئة أو ثقافة المنشأة.
ولإبقاء الموظفين على اطلاع باستراتيجيات المؤسسة وأهدافها الابتكارية وتحفيزهم نحو الابتكار، فإن عملية التواصل الفعال لن تؤتي ثمارها إلا باستمرار التواصل ومشاركة الأهداف والمنجزات باطراد. إضافة إلى ذلك، يتطلب التحسين المستمر مراجعة أدوات وطرائق التواصل الفعال بشكل منتظم للخروج بأفضل النتائج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي