الصناعة الأوروبية أمام ضغوط هائلة .. انفجار أسعار الغاز والكهرباء خارج حدود المنطق

الصناعة الأوروبية أمام ضغوط هائلة .. انفجار أسعار الغاز والكهرباء خارج حدود المنطق
الاتحاد الأوروبي يستورد 90 في المائة من الغاز الذي يستهلكه.

تواجه الصناعات الأوروبية المستهلكة للطاقة ضغوطا هائلة مع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز والكهرباء، وتطالب رؤساء الحكومات الذين اجتمعوا في بروكسل، بإجراءات لمساعدتها على مواجهة "انفجار الأسعار الخارج عن حدود المنطق".
وحذرت شركة نيرستار الهولندية الرائدة في تنقية الزنك الأسبوع الماضي بأنها ستخفض إنتاجها إلى حد 50 في المائة، في ثلاثة مصانع أوروبية في هولندا وبلجيكا وفرنسا بسبب أسعار الطاقة والكربون المرتفعة جدا في أوروبا.
وأوضحت الشركة أنه مع "الزيادات الكبرى في تكلفة الكهرباء خلال الأسابيع الماضية" وسعر الكربون المرتفع في السوق الأوروبية، "بات من غير المربح اقتصاديا استغلال المصانع بكامل طاقاتها".
وعلى مسافة 30 كيلو مترا من فان في فرنسا، قال جاك بيدو رئيس "بي سي إف ساينسز لايف"، وهي من فئة الشركات المتوسطة والصغرى توظف مائتي شخص وتنتج حموضا أمينية انطلاقا من ريش دواجن، "إنه يواجه أزمة غير مسبوقة".
وأضاف أن "سعر الغاز المستخدم لإنتاج الحرارة الضرورية للتحليل المائي لمادة الكيراتين الموجودة في الريش ازداد بـ4.5 ضعف منذ كانون الثاني (يناير) 2020، فيما تضاعف سعر الكهرباء بـ2.5 مرة"، وأضاف "لكن بيدو الذي يتابع يوميا مؤشر "بيج نور 2022" لأسعار الغاز بالجملة، يؤكد "لسنا في مأزق"، وفقا لـ"الفرنسية".
فبإمكان شركته، الوحيدة الناشطة في هذا القطاع في أوروبا، أن تسجل الزيادة في تكاليف الإنتاج البالغة 20 في المائة، خلال ستة أشهر على عاتق زبائنها.
والأمر نفسه ينطبق على شركة "إير ليكيد" العملاقة للغاز الصناعي التي تحمي نفسها من تقلبات الأسعار بتوقيعها عقودا تضع تكاليف السلع والخدمات المستخدمة على حساب زبائنها، وهم من الشركات الكبرى.
ولفت نيكولا دو وارن رئيس "اتحاد الصناعات المستخدمة للطاقة" في فرنسا إلى أن "نقل أعباء ارتفاع التكاليف على الزبائن لا يكون ممكنا إلا إذا كنت رائدا في سوق معينة، من الجهات التي تحدد الأسعار".
أما الذين لا يملكون هذا الخيار، فقد يتكبدون أضرارا بحسب ما قال دو وارين، مضيفا "إما أن تبيعوا بخسارة، أو تجازفوا بفقدان قسم من حصص السوق" بمواجهة منتجات مستوردة من أمريكا أو آسيا. وانعكس هذا الأمر بشكل خطير مثلا على شركة "ألمنيوم دانكرك"، أحد أكبر منتجي الألمنيوم في أوروبا.
وأوضح جيوم دو جويس رئيس المصنع "ارتفعت أسعار الألمنيوم كثيرا في بورصة لندن للمعادن، لكن أقل بكثير من سعر الكهرباء"، وتابع "ازدادت حصة الكهرباء في تكاليف إنتاجنا إلى 40 في المائة، بعدما كان معدلها 25 في المائة، في الأعوام الأخيرة، ما يعني أنها تضاعفت تقريبا".
وهو يخشى أن يضطر إلى إعلان تخفيض في الطاقات الإنتاجية في مطلع 2022 "إذا لم يتم اتخاذ تدابير ملموسة على صعيد الطاقة" لمساعدة الصناعيين الأوروبيين.
ولفت إلى أن الصناعيين في روسيا يستفيدون من سعر مضبوط للغاز "يقارب خمسة يوروهات للميجا واط في الساعة، في حين إننا نشتريه بأكثر من مائة يورو للميجا واط في الساعة".
وأطلقت الجمعيات التي تمثل الصناعات الأساسية في أوروبا إنذارا، معتبرة انتعاش الصناعة الأوروبية بعد أزمة كوفيد - 19 "في خطر"، وكذلك قدرتها على "تحقيق أهدافها على صعيد المناخ".
وفيما يعقد قادة الدول الـ27 قمة الجمعة في بروكسل، طلب الصناعيون العاملون في قطاعات الكيمياء والورق والسيراميك والألمنيوم والصلصال والزجاج، من الاتحاد الأوروبي وضع "تنظيمات خاصة فيما يتعلق بالمساعدات الحكومية للسماح للدول الأعضاء بالتحرك بشكل أوضح مما هو مسموح به اليوم خلال فترات التوتر في سوق الطاقة".
كما دعوا التكتل إلى "استخدام ضغطه التجاري والدبلوماسي الكامل على كبار مزودي الغاز" مثل روسيا.
وفي موقف بدا بمنزلة رد على هذه المطالب، انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر شبكة "إن إس 2" التلفزيونية "فلسفة المفوضية الأوروبية" التي تظن أن أسواق الطاقة "يمكن ضبطها في البورصة، من خلال سوق الصفقات الفورية"، واعتبر "ما نراه اليوم في أسواق الطاقة هو تعبير عن الرأسمالية التي لم تعد تعمل بطريقة مجدية"، مضيفا "أرادوا إقناعنا بضرورة التخلي عن العقود الطويلة الأمد".
وصرحت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، بأن شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" لم تلب حتى الآن الطلب المتزايد على الغاز من جانب الاتحاد الأوروبي.
وقالت أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج الأربعاء "بينما تفي "غازبروم" بعقودها طويلة الأجل معنا، فإنها لم تستجب للطلب المرتفع كما فعلت في الأعوام السابقة".
وأضافت أن "العالم كله تأثر من ارتفاع أسعار الطاقة، لكن هناك أمرا خاصا في الحالة الأوروبية"، وفقا لـ"الألمانية".
ويشك معارضو الشركة الروسية في أنها تضغط من أجل تشغيل سريع لخط أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل، الذي يمر أسفل بحر البلطيق. ويتوقف التشغيل حاليا على موافقة الجهات التنظيمية الألمانية. ومن المقرر أن يكون موضوع ارتفاع أسعار الطاقة ضمن الموضوعات المطروحة على قمة الاتحاد الأوروبي المقررة اليوم وغدا. وأوضحت فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي يستورد 90 في المائة من الغاز الذي يستهلكه، ما يجعل التكتل معرضا للخطر، مضيفة أنه "يمكن تحسين الوضع من خلال التوسع في تنويع مصادر الإمدادات وتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة".
وذكرت مجموعة تجارية فرنسية أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخذ خطوات عاجلة لتخفيف الآثار الناجمة عن زيادة ضخمة في أسعار الغاز والطاقة بالنسبة إلى الشركات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، طبقا لما ذكرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء.
وقالت مجموعة "يونيدين" الفرنسية، التي تمثل تلك الشركات في بيان، "إن الحكومة الفرنسية يجب أن تدعم مجموعة أدوات أوروبية، للمستخدمين كثيفي الاستهلاك للطاقة، في اجتماع للاتحاد الأوروبي، يعقد في 26 تشرين الأول (أكتوبر)، مكرس للأزمة، يجب تنفيذ الإصلاحات على المدى القصير جدا".
وتحاول الدول الأوروبية إيجاد سبل لإصلاح قواعد السوق، حيث دفعت إمدادات الغاز، أخيرا تكاليف الوقود وأسعار الكهرباء وتراخيص انبعاثات الكربون إلى أرقام قياسية.
ورحبت مجموعة "يونيدين" بقرار فرنسا إقامة مجموعة عمل مع شركات رئيسة لإمداد الطاقة في البلاد، بما فيها شركة الكهرباء الفرنسية "اليكتريستيه دو فرانس" و"إنجي إس إيه" لتقديم خلال ستة أشهر، حلولا ستسمح للشركات الصناعية بالتوقيع على تعاقدات ميسرة التكلفة، ويمكن التنبؤ بها وخالية من الكربون.
ذكر تقرير صحافي نقلا عن ميريد مكجينيس مفوضة الاتحاد الأوروبي للخدمات المالية، أن الاتحاد سيرجئ مقترحات بشأن كيفية تصنيف الطاقة النووية بموجب نظامها التصنيفي للتمويل الأخضر الصديق للبيئة.
وقالت مكجينيس "إنه قد يتم دفع عملية التوصل إلى قرار للمفوضية حتى 2022. وفي تموز (يوليو)، كان أكثر من 80 من نواب الاتحاد الأوروبي قد دعوا المفوضية الأوروبية إلى إدراج الطاقة النووية في نظامها التصنيفي للاستثمار الأخضر، أي الصديق للبيئة، من أجل المساعدة على تحقيق التكتل هدفه الطموح الخاص بالحياد المناخي".
ويريد الاتحاد الأوروبي أن يصبح أول إقليم في العالم يصل إلى صفر انبعاثات بحلول منتصف القرن الجاري، بموجب الاتفاق الأخضر، وهو إصلاح غير مسبوق يهدف إلى جعل كل ركن من أركان الاقتصاد أكثر حفاظا على البيئة. وخلال الأشهر المقبلة، تعتزم المفوضية اقتراح كيفية تصنيف الطاقة الذرية والغاز الطبيعي ضمن قواعدها التصنيفية، بعد تأجيل القرار مطلع العام الجاري.

الأكثر قراءة