لماذا تتعطل سلاسل التوريد؟ «2 من 2»
التأثيرات المتعلقة بجانبي العمالة والطلب ليست إلا جزءا من القصة، فقد كنا على علم بارتفاع مقبل في الطلب. إذن ما أسباب هذا العجز المفاجئ الذي أصاب سلاسل التوريد العالمية؟ يتمثل أحد تلك الأسباب في إطلاق العنان للطلب المكبوت قبل انتهاء الجائحة فعليا، وبالتالي تواصل تأثير الارتباكات المرتبطة بالجائحة في الموانئ ومنشآت التصنيع الكبرى مع زيادة الطلب، الأمر الذي أدى إلى تثبيط استجابة العرض. هناك عامل آخر، وهو ما بدا من تجاوز الطلب سعة التحميل القصوى للنظام. هنا أقول: إن زيادة تلك السعة ستتطلب ضخ استثمارات، إضافة إلى الأهم من ذلك وهو الوقت. لكن رغم الأهمية الكبرى لسعة التحميل القصوى في خدمات مثل الكهرباء التي يصعب تخزينها، فإن أهميتها أقل بالنسبة للبضائع التي يجب إدارة الطلب عليها بنظام جيد الأداء يتوقع الارتفاعات المفاجئة ويرتب سير وتدفق الطلب.
هنا تكمن المشكلة، حيث تتسم شبكات التوريد العالمية، بصورتها المشكلة حاليا، بالتعقيد واللامركزية والتقييد المحكم، بغية تحقيق أقصى درجة من الكفاءة والحد من الهدر. لكن رغم صلاحية عمل هذا النهج في الأوقات العادية، إلا أننا نجده عاجزا عن معالجة الصدمات أو الاضطرابات الكبرى. وتفضي اللامركزية بالأخص إلى ضعف الاستثمارات في المرونة، لأن العوائد الخاصة على مثل تلك الاستثمارات أقل كثيرا من العوائد أو الفوائد على مستوى المنظومة.
ثمة عاقبة أخرى أدق للامركزية، وربما كانت أسهل طريقة لشرحها وتوضيحها القياس على التنبؤ بالطقس. فرغم كون الطقس ناتجا عن نظام معقد ومتداخل بشدة، صار التنبؤ محددا ودقيقا بشكل متزايد بمرور الزمن، بفضل النماذج المتطورة للغاية التي تلتقط الطريقة التي تتفاعل بها العوامل ذات الصلة، كالرياح ودرجات حرارة الغلاف الجوي والمحيطات، وتكون السحب.
بالمثل، نجد شبكات التوريد العالمية على الدرجة نفسها من التعقيد. لكن مع قدرتنا على توقع الاتجاهات العريضة، كزيادة الطلب مستقبلا مثلا لن نجد نموذجا أو مجموعة من النماذج التي تمكننا من التنبؤ بأي قدر من التحديد بالكيفية التي يمكن أن تؤثر بها مثل تلك الاتجاهات على عناصر معينة في سلاسل التوريد. فعلى سبيل المثال، ليس لدينا من سبيل لمعرفة مواطن الاختناقات الجديدة، فضلا عن الطريقة التي ينبغي أن يتبعها المشاركون في السوق لتعديل سلوكهم.
عندما لا تكون التوقعات محددة بدرجة كافية للتحرك وفقها، يعجز النظام عن التكيف في الوقت المناسب أو بطريقة فعالة. فالنظام في الأساس قصير النظر: إذ يكتشف الانسدادات وقت حدوثها. ونظرا لاشتمال جوهره نسبيا على شيء من التراخي، تنشأ عن الانحرافات الشديدة عن الأنماط العادية استجابات متأخرة، وأوجه نقص، وتراكمات، واختناقات كالتي نراها اليوم.
النتيجة المستخلصة هنا واضحة: نحن بحاجة إلى نماذج أفضل للتنبؤ بكيفية تطور سلاسل التوريد، بما في ذلك استجاباتها المحتملة للصدمات. وينبغي أن تكون تلك التنبؤات متاحة للعامة حتى يتمكن كل المشاركين من الاطلاع عليها والتكيف وفقها. وربما كان الذكاء الاصطناعي مفتاح النجاح في هذا الصدد، فهذا تطبيق طبيعي للتكنولوجيا بالفعل. لكن لا بد أيضا من تعاون دولي، فتنشر الدول البيانات الآنية الناتجة عن شبكات سلاسل التوريد.
وكما تمكن التنبؤات الناس من تقليص تكاليف أي إعصار أو تسونامي بدرجة كبيرة من خلال التخطيط المسبق، فإن الأمر لا يختلف بالنسبة لارتباكات سلاسل التوريد.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.