الاقتصاد البولندي .. من المصانع إلى الخدمات

عانت بولندا تبعات الحرب العالمية الثانية إبان غزو ألمانيا بولندا عام 1936، ومن ثم هزيمة الاتحاد السوفياتي لألمانيا واستعادة بولندا من القبضة النازية عام 1945. كانت الصناعة والزراعة تشكلان أهم ركائز الاقتصاد البولندي آنذاك، وكانت تدار في معظمها من قبل الدولة كما هو حال الأنظمة الشيوعية. وبعد تحول بولندا للحكم الديمقراطي عام 1990 ومن ثم انضمامها للمجلس الأوروبي بعد عام من تحولها الديمقراطي، انضمت عام 2004 إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. وبعد انضمام بولندا للمعسكر الديمقراطي المشكل من أغلب دول الغرب الأوروبي، تأثر اقتصادها جوهريا من حيث إعادة هيكلة الاقتصاد وتحوله إلى اقتصاد السوق.
وفي بدايات العقد الأخير من القرن الـ 20 تحديدا عام 1990، كانت نقطة التحول الاقتصادي لبولندا. فقبل ذلك كان معظم المؤشرات الاقتصادية البولندية سلبية، سواء من حيث الإنتاج الصناعي والزراعي أو حتى الناتج المحلي الإجمالي الذي أظهر انكماشا نتيجة الإصلاحات الاقتصادية في مرحلة ما بعد الشيوعية، أو معدلات البطالة. ونتيجة لذلك قامت الحكومة البولندية بعد تحررها من الحكم الشيوعي وتوجهها للانفتاح على الأسواق، بتجميد الأجور وتحرير الأسعار بناء على العرض والطلب، ورفع الإعانات الحكومية عن المشاريع المملوكة للدولة، كما سمحت بإقامة الشركات الخاصة الكبرى. عرف هذا الإصلاح الاقتصادي آنذاك بالعلاج بالصدمة ولم تبدأ تتضح آثاره إلا بعد عشرة أعوام في عام 1990.
وكان من أهم البرامج التي انتهجتها الحكومة البولندية للإصلاح الاقتصادي برنامج خصخصة الشركات الكبرى. حيث أطلقت بولندا برنامج التخصيص الشامل عام 1994، الذي شمل تأسيس 15 صندوقا للاستثمار الوطني وكان نواة لتأسيس شركات مساهمة لأكثر من 500 منشأة كبيرة ومتوسطة لتخصيصها وطرحها في بورصة وارسو. وفي عام 2001 أصبح القطاع الخاص مساهما بما مقداره 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما واصلت مساهمة القطاع في الصعود حتى وصل إلى مستوى قياسي عام 2012 بنسبة تصل إلى 80 في المائة.
يذكر أن الاقتصاد البولندي أثناء مروره بمرحلة الإصلاح عبر ثلاثة عقود من الزمن تراجع اعتماده على القطاع الصناعي الذي كان يشكل نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى ما يقارب العشر من الناتج المحلي الإجمالي لبولندا. وقد كان قطاع الخدمات له النصيب الأكبر من النمو في بداية الألفية، حيث واصل نمو مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 4 في المائة سنويا بنهاية العقد الأخير من القرن الـ 20، حتى فاق 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في بداية القرن الـ 21. ويشمل قطاع الخدمات في بولندا، الخدمات المالية، والاتصالات، والتجزئة، وكذلك السفر والسياحة.
​وبانضمامها للاتحاد الأوروبي عام 2004، استفادت بولندا من المشاريع والمبادرات المدعومة من دول الاتحاد في تطوير بنيتها التحتية، ومرافق البحث والابتكار فيها. كما ساعد وجود قوى عاملة مدربة ومؤهلة في قطاع التقنية بفضل الظروف الاقتصادية الإيجابية على احتضان واحدة من أكبر مجاميع الموهوبين التقنيين في شرق أوروبا. مكنت تلك الظروف من جذب بولندا كبرى شركات التقنية العالمية لفتح مقار أو مراكز أبحاث فيها. فعلى سبيل المثال، افتتحت شركة إنتل واحدة من أكبر مراكز أبحاثها العالمية في مدينة جدانسك البولندية. وعام 2020، أعلنت "مايكروسوفت" استثمارها بمبلغ مليار دولار في مشاريع التحول الرقمي في بولندا.
​وبالنظر إلى جهود المملكة لإعادة هيكلة الاقتصاد بالتزامن مع طرح مبادرات وطنية للرفع من مستوى رأس المال البشري، وتحديث بنيتها التحتية الرقمية، أو برامجها لاستقطاب شركات التقنية العالمية، وليس أخيرا بإنشائها لهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار في جهودها للتحول إلى الاقتصاد المبني على الابتكار. كل تلك الجهود التي بذلتها المملكة وما زالت وفق مبادرات وبرامج تفعل بشكل متزامن ستسهم بإذن الله لانتقال المملكة إلى اقتصاد تنافسي يعتمد على الابتكار، ويعزز استدامتها المالية والتنموية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي