صناعة النشر تتجنب مصير صناعة الموسيقى
يصعب على أكثر المؤلفين نشر كتاب، فضلا عن تأليف كتاب يحقق أفضل المبيعات أو يفوز بجائزة مرموقة. لذلك عندما فاز دامون غالغوت، الكاتب الجنوب إفريقي، بجائزة بوكر عن روايته "ذا بروميس" The Promise الأسبوع الماضي ـ بعد دخوله التصفية مرتين للجائزة من قبل ـ انتصر على الصعاب.
كانت فرص فوز شركة بينجوين راندوم هاوس، وهي أكبر دار نشر في العالم، بالجائزة بعيدة المنال. تم نشر "ذا بروميس" في المملكة المتحدة من قبل شركة شاتو آند ويندوز وكان الكتاب أحد مطبوعاتها العديدة. ونشرت شركة بي آر إتش أربعة من الكتب الخمسة التي دخلت مرحلة التصفية في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. كان من غير المرجح أن تخسر.
مرت دار بينجوين راندوم هاوس بوقت عصيب في واشنطن الأسبوع الماضي، حين اتخذت وزارة العدل الأمريكية إجراءات قانونية لحظر اندماجها المقترح بقيمة 2.2 مليار دولار مع شركة سايمون آند شوستر، رابع أكبر دار نشر أمريكية. قالت وزارة العدل إن تخفيض عدد دور النشر الخمس الكبرى إلى أربعة قد "يسبب ضررا كبيرا" للمؤلفين الأكثر مبيعا.
الحجة القائلة إنه سيتم تأليف عدد أقل من الكتب إذا لم تضطر دور النشر لبذل جهد لكسب المؤلفين الذين يطلبون سلفا بقيمة مليون دولار أو أكثر على حصتهم، هي حجة جديدة بالمعنى المناهض للاحتكار وليس بالمعنى الأدبي. وهو أمر ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أنه قد يسود في المحكمة، حيث يتجه النزاع تاليا (تمت الموافقة على الاندماج في المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا العام).
النص الفرعي مهم بقدر السرد. منذ وقت ليس بالبعيد بدا من المعقول تماما أن "أمازون" ستضعف دور النشر بشدة من خلال جهازها القارئ الإلكتروني، كندل، والكتب الإلكترونية وظهور النشر الذاتي. واجه المؤلفون المتمرسون شكوكا وجودية أكبر من احتمال تقديم شركة بي آر إتش، أو شركة سايمون آند شوستر لعدد قليل منهم مبالغ أقل قليلا من سبعة أرقام.
لكن الإنترنت كانت الكلب الذي نبح ولم يعض بعد. لم تزد دور النشر الكبرى إيراداتها فحسب، بل أصبحت أكثر ربحية منذ إطلاق أول جهاز كندل في عام 2007. تضاعف هامش أرباح شركة بي آر إتش في العقد الماضي إلى 18 في المائة في النصف الأول من هذا العام: يميل المحررون فقط للاعتراف بذلك بهدوء على الغداء، لكنهم كانوا يعملون بشكل جيد للغاية.
تجنبت صناعة النشر مصير صناعة الموسيقى، التي وقعت في هوة مالية قبل أن يتم إحياؤها من خلال منصة سبوتيفاي وتنظيم الاشتراكات. وقد استمرت في المضي قدما، خاصة في القيادة العليا. اندماج شركة بينجوين وشركة راندوم هاوس عام 2013، الذي بدا في ذلك الوقت خندق دفاع أخير ضد القوة التحريرية لشركة أمازون، كان انقلابا ماليا ولا عجب أنها تريد زيادة حجمها مرة أخرى مع شركة سايمون آند شوستر.
لكن الكتب ليست مثل الأقراص المضغوطة – لا يزال الناس يرغبون في قراءة الأشياء المادية ووضعها على الرف. مثلت الكتب الإلكترونية 11.5 في المائة فقط من إجمالي مبيعات الكتب في الولايات المتحدة في تموز (يوليو) الماضي. على الرغم من ضعف متاجر الكتب بسبب التجارة الإلكترونية، إلا أن "أمازون" تبيع عددا أكبر من الكتب ذات الأغلفة المقواة والأغلفة الورقية من الكتب الإلكترونية.
كانت الكتب الإلكترونية أيضا نعمة لدور النشر التي لديها أكبر قدر ممكن من الأعمال السابقة. أصبح من السهل الآن على القراء شراء جميع أعمال الكاتب: في الواقع، لا تنفد المطبوعات أبدا. يعد امتلاك أعمال سابقة أيضا مربحا للغاية لأن جميع التكاليف الأولية، مثل سلف المؤلفين، مدفوعة. لا عجب أن هوامش شركة بي آر إتش كانت تزداد بسلاسة.
كما تشير وزارة العدل في شكواها، هذا يعمل لمصلحة دور النشر الكبرى عندما تقدم عطاءات في المزادات لتأمين الكتب الأكثر مبيعا، مثل مذكرات المشاهير ومذكرات الرؤساء. وتلاحظ الوزارة أن الأعمال السابقة "هي مصدر مهم للإيرادات تمكن دور النشر الخمس الكبرى من دفع سلف أكثر فأكثر".
لقد تبين أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تقدم مزايا أخرى لدور النشر فيما كان يعرف تقليديا بعمل قد ينجح أو يفشل. بدلا من الاضطرار للمجازفة بالكثير في نشر وتطوير كتاب لأول مرة دون سجلات متابعة، يمكنها البحث عن الأشخاص الموهوبين الذين لديهم متابعات على إنستجرام أو فيسبوك. ويساعدها هذا على الحد من المخاطرة المالية.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك تشارلي ماكيزي، الرسام البريطاني الذي باع خمسة ملايين نسخة من كتبه "ذا بوي" The Boy، و"ذا مول" The Mole، و"ذا فوكس" The Fox، و"ذا هورس" The Horseعلى مستوى العالم بعد أن اكتشف محرر في شركة إيبيري، دار النشر للأعمال غير الخيالية التابعة لشركة بي آر إتش في المملكة المتحدة، رسوماته على إنستجرام. لم يكن قد كتب كتابه حينها، لكن الناشر ساعده على تطويره، وهو يعلم بالفعل أن لديه كثيرا من الجاذبية.
أدى هذا المزيج من مرونة الطباعة والأعمال السابقة ومنصات المؤلفين عبر الإنترنت إلى جعل دور النشر أكثر ربحية وأكثر استقرارا من الناحية المالية. ما كانت في السابق صناعة صغيرة توطدت لتصبح عملا أكثر ثباتا، بعدما كان مهددا قبل عقد من الزمان.
هناك جانب غير معقول للشكوى القانونية الأسبوع الماضي. إنه يعطي مثالا على تقديم شركة سايمون آند شوستر مبلغ خمسة مليون دولار لمذكرات مطرب حائز جائزة جرامي واضطرت في النهاية لدفع ثمانية ملايين دولار لأنه كان هناك عرض مضاد من شركة بي آر إتش. لن تنزف معظم القلوب إذا كان على المشاهير أن يعيشوا بمبلغ أقل ببضعة ملايين من الدولارات ـ يكسب المؤلف العادي جزءا صغيرا من ذلك.
لكنها تحكي أيضا قصة أكبر عن توازن القوى في صناعة الكتب. دفعت دور النشر الأمريكية أكثر من مليار دولار سلفا للمؤلفين العام الماضي، ولا يمكنها ادعاء الفقر سببا لمزيد من الاندماج. عندما تنشر شركة بي آر إتش كثيرا من الكتب التي تدخل مرحلة التصفيات للفوز بجائزة بوكر وتحقق أرباحا جيدة، فإنها تبدو قوية بما يكفي بالنسبة إلي.