التسويق الزراعي .. المشكلة والحلول «1 من 2»
المنتجات الزراعية وقود حياة كل كائن حي وتمثل الغذاء في مجملها فهي عنصر مهم للحياة ومع نمو البشرية تزداد الحاجة إلى الغذاء أينما وجد هؤلاء البشر فهي من متطلبات ومقومات حياتهم وكلما كانت المجتمعات متطورة ومرفهة تعددت احتياجاتها لأصناف الغذاء والغذاء الصحي الذي يحتوي على جميع المتطلبات الغذائية اليومية التي يحتاج إليها جسم الإنسان في جميع مراحل حياته العمرية ويمده بالطاقة اللازمة والعناصر التي يحتاج إليها ليبقى سليما ينمو بشكل متوازن والأغذية تشمل المنتجات النباتية والحيوانية مثل الحبوب والخضار والفواكه والعصائر وكذلك اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك والروبيان والبيض والعسل والألبان ومشتقاتها كما تشمل المشروبات كالماء والشاي والقهوة، وغيرها أن كل هذه المتطلبات لا يمكن الحصول عليها دون إنتاج وتداول ومناولة إلى حين وصولها إلى المستهلك النهائي وهو ما نتحدث بشأنه في التسويق الزراعي الذي يعد أحد أهم فروع علم الاقتصاد الزراعي الذي يتناول جميع المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية.
ويتسع معنى التسويق الزراعي ليشمل جميع الأنشطة اللازمة لنقل المنتجات الزراعية من المزارعين أينما وجدوا أو مراكز تجميع المنتجات ومن ثم نقلها إلى مراكز وجود المستهلك ويشمل ذلك تخطيط الإنتاج والزراعة والحصاد والفرز والتصنيف والتعبئة والتغليف والنقل والشحن والتخزين والتوزيع والعرض والبيع وهو ما يعرف حاليا بسلسلة الإمداد.
كانت الحياة في المجتمعات الأولية البسيطة يشتري الزبائن احتياجاتهم من المزارع القريب منهم مباشرة وكان المزارع ينتج احتياجات هذه المجتمعات البسيطة ولذلك لم تبرز مشكلات التسويق في هذه المجتمعات لكن مع تطور هذه المجتمعات خاصة في المدن الكبيرة كبرت واستطالت هذه السلسلة التي تتداول المنتجات الزراعية وأصبح لدينا تجار جملة الجملة وبعدهم تجار ما قبل التجزئة وتجار التجزئة ووسطاء ودلالين وأسواق خضار وأخرى للماشية. وثالثة للأسماك وحراج ودلالة في كل هذه الأسواق وبعدها وسطاء نقل وتخزين وإعادة توزيع لمنافذ التجزئة إلى محال في الأحياء أو الأسواق المركزية وتمر المنتجات الزراعية تتداول في هذه المحطات المتعددة حتى تصل إلى المستهلك النهائي ومع طول هذه السلسلة وكثرة تداول المنتج الغذائي الواحد فإنه يتعرض إلى نسبة من التلف وتنخفض جودته تبعا لما تحتويه وما تقدمه هذه المحطات من وسائل تسهم في حفظ وسلامة المنتج وعدم تعرضه للتلف وبعد أن يتم الحصاد والتعبئة والنقل والتخزين والعرض فهناك منتجات تتطلب تداول سريع لسرعة تلفها كاللحوم الطازجة والأسماك والبيض وبعض الفواكه والخضار وهناك منتجات ليست كذلك مثل الحبوب والبقول والأغذية المجففة وكلما كانت هذه السلسلة قصيرة وأمكن التحكم في ظروف التداول عبرها وفق متطلبات سلامة وجودة المنتج انعكس ذلك إيجابا على جودته واستفاد من ذلك المزارع والمستهلك على حد سواء.
سواء نسمع ونشاهد حقيقة ما يعانيه المزارع سواء في السعودية أو في أي مكان من العالم من تقديمه منتجات بأسعار متدنية جدا بينما تصل إلى المستهلك بعشرة أضعاف السعر الذي يقدمها المزارع في الوقت الذي يتطلب من المزارع عدة شهور يقدم فيها لمنتجه العناية والأسمدة وظروف الإنتاج المثلى ويبيعه في الحراج أو داخل مزرعة بثمن بخس ويرى إنتاجه الذي لا يمكث إلا ساعات أو بضعة أيام وقد تضاعف سعره عشرات الأضعاف ليصل إلى المستهلك النهائي.
إنه قد يتعذر في مقال أسبوعي محدود المساحة الإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بظروف التسويق الزراعي في المملكة وتقديم حلول يمكن أن يقال إنها المثلى للحد من هذه المشكلة لوجود عديد من المعطيات المتداخلة والمصالح التي قد تكون متضاربة والهيكل التسويقي الموروث والظروف الجغرافية والبيئية وثقافة المزارع والمستهلك على حد سواء.
عندما تقدم أطروحات حلول تسويقية ناجحة في دول ما ليس بالضرورة أن تكون ناجحة في دولة أخرى إذ يحكمها عوامل عدة تشمل بشكل مباشر ثقافة المزارع وعدد السكان والمساحة الجغرافية والنمط الغذائي السائد للمستهلك، كثير ما نشاهد ونحضر ورش عمل تقدمها دول لحل هذه المشكلة مثل هولندا والدنمارك وبلجيكا وسويسرا وتقدم حلول تسويقية قد تكون ناجحة لديهم، لكن من المتعذر مقارنة أوضاع هذه الدول بالمملكة ففي دولة مثل بلجيكا ومساحتها أقل من 31,000 كيلومتر مربع أي إن المملكة تفوق مساحتها بـ 70 ضعفا وتفوق مساحة هولندا والدنمارك وسويسرا بـ 41 ضعفا مع اختلاف التضاريس والمناخ وتنوع مناطق الإنتاج والميز النسبية للمنتجات في كل منطقة فليس من الضرورة التغلب على مشكلة التسويق ولو جزئيا في هذه الدول بحلول أن تكون هي المثلى في السعودية.
إن كل منطقة من المناطق الإدارية في المملكة تعادل مجموعة من دول في مناطق أخرى ولذلك من الصعب تقديم حلول تسويقية لمنتجات زراعية تكون مركزية وتعتمد اعتمادا كليا على نقل لكل منتجات الدولة بكل مناطقها لمصلحة جمعية واحدة تتولى ذلك كما يحدث في هذه الدول كافة.
تثقيف المزارع لزراعة ما هو مطلوب وفي الأوقات المطلوبة أمر بالغ الأهمية لتقديم حل جزئي لمشكلة التسويق وكذلك حماية المنتج المحلي الموسمي من دخول منتجات مستوردة منافسة في مواسم الإنتاج في مناطق المملكة حل جزئية لمشكلة التسويق وهذا ما تقوم به الجهات المختصة حاليا، تطوير وتشجيع المزارع لتعبئة منتجاته التعبئة الصحيحة بالكميات و الأحجام والعبوات المناسبة وإيجاد علامة تجارية تميز منتجاته وتثقيف المستهلك لسهولة التعرف عليها حل جيد آخر وفعال لمشكلة التسويق وتقليل الهدر من جراء إعادة التعبئة والحد من تدهور جودة المنتج الزراعي وتزويد المزارع بوسائل للحفظ والنقل المبرد، ومساعدته على تخصيص أماكن لبيع منتجاتها في المناطق التسويقية سواء أسواق النفع العام أو الأسواق المركزية وتشجيع المزارعين لتكوين جمعيات تسويقية لمنتجاتهم بكل منطقة كل هذه ستسهم في تراكم حلول لمشكلة التسويق ويستفيد المزارع والمستهلك على حد سواء.
والحقيقة أن الظروف كافة مواتية لتطبيق هذه الحلول إذا وجدت المبادرة من المزارعين والمستثمرين والاستفادة مما تقدمه الدولة من دعم بإنشاء المرافق اللازمة للتسويق الفعال وتشجيع وتوظيف للخبرات والكفاءات الوطنية في الجمعيات الزراعية الفعالة كفيلة بالإسهام في حل هذه المشكلة.