مدن عائمة لتعزيز الاستدامة «2 من 2»
بدءا من تصميم ست جزر صغيرة تشكل اللبنة الأولى لمدينة أوشنكس سيتي العائمة، والمزمع إنشاؤها قرب مقاطعة جوانجدونج الصينية، يخطط مصممو المشروع بناء جزر إضافية لتتسع المدينة لما يقارب الـ11 ألف ساكن، حال اكتمال المشروع المتوقع الانتهاء منه 2030. لكن هل فكرة إنشاء هياكل عائمة بحجم قرى ومدن، وتوفير الاحتياجات الأساسية من الطاقة والمياه الصالحة للشرب وتوفير الغذاء تعد منطقية وعملية؟ قد يكون من السابق لأوانه الحكم على نجاح بناء مدن عائمة فوق مياه البحر قبل تنفيذها، خصوصا أن كثيرا من التقنيات اللازمة لتنفيذ هذا النوع من المشاريع تعد مشاريع ناشئة أو في مراحلها الأولية. لكن ما يبعث على الاطمئنان هو تنفيذ تجارب مشابهة لكن بمقاييس أصغر، ففي مدينة أمستردام الهولندية، أنشئ حي سكني عائم يقطنه 100 ساكن موزعين على 46 منزلا.
لكن مشروع القرية الهولندية يقع بمحاذاة إحدى القنوات المائية التي تملأ العاصمة أمستردام، ما يعني تدني مخاطر الأمواج أو الأعاصير، إضافة إلى استفادة الحي العائم من إمدادات الطاقة والمياه من المنطقة المجاورة على اليابسة. أما بالنسبة لمشروعي جزر المالديف وأوشنكس سيتي العائمين، فإن التحدي يتجاوز مسألة طفو الهياكل فوق المياه إلى تحديات أكثر تعقيدا. بعض تلك التحديات تتعلق بقدرة المباني العائمة على مواجهة الرياح والأعاصير، وإيجاد نظام بيئي مستدام، يسخر الموارد البحرية المتاحة في توليد الطاقة، وإنتاج مياه محلاة ويتخلص من النفايات أو يعيد تدويرها دون إضرار بالبيئة أو التسبب في انبعاثات الكربون.
تقنية جديدة مبتكرة لتوليد الطاقة في عرض المحيط ويطلق عليها "تقنية التحويل الحراري لطاقة المحيط" قد تقدم حلا دائما لمشاريع المدن العائمة واحتياجاتها من الطاقة. تعمل تلك التقنية بتوظيف الفارق الكبير في درجات الحرارة بين سطح المحيط والجزء السفلي منه. حيث تستخدم المياه السطحية للمحيط بسبب ارتفاع درجة حراتها نسبيا في تبخير سائل الأمونيا، الذي يمتاز بدرجة غليان منخفضة جدا مقارنة بالماء. بعد ذلك تستخدم القوة الدافعة لبخار الأمونيا في تشغيل محرك توربيني، يقوم بدوره بتحويل الطاقة الحركية إلى كهربائية. تمتاز تلك التقنية بنظامها المغلق الذي يسمح بإعادة تكثيف بخار الأمونيا إلى سائل بفضل استخدام المياه الباردة المقبلة من أسفل المحيط. كما أن لهذه التقنية نموذجا آخر مصمما وفق نظام مفتوح يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية وإنتاج مياه محلاة عبر تكثيف البخار في آن واحد. وللتغلب على حركة الأمواج أو الأعاصير، تتمتع الأجسام أو المنازل العائمة بمرونة نسبية تمكنها من تأرجح طفيف، حتى تستطيع امتصاص حركة الأمواج وتقليل تأثيرها. كما تعمل المتاريس أو الجزر الرملية الصغيرة المحيطة بالجزر العائمة، كالتي في مشروع جزر المالديف، كمصدات للأمواج والأعاصير. ولترشيد استخدامات الطاقة، تصمم تلك الجزر لاستغلال حلول مستدامة للتنقل. فالمشي على الأقدام أو ركوب الدراجة أو استخدام قوارب محلقة hydrofoil ستشكل الوسائل الرئيسة للتنقل. وقد يحفز التطور المتوالي في بناء الهياكل العائمة وأنظمة الطاقة المصاحبة لها على إيجاد فرص أخرى تتجاوز توفير ملاذات أو مساكن مستدامة، إلى توفير تجارب سياحية فريدة في عرض المحيط. المثير للانتباه أن أساليب الحياة الجديدة التي تتشكل استجابة لكثير من تحديات العصر الحديث، سواء البيئية أو الغذائية وحتى الصحية، كلها تتجه لتبني أسلوب الحياة السائد ما قبل الثورة الصناعية وارتباطه بالطبيعة وعناصرها.