صيد الأسماك مهنة ووظيفة

تعد الثروة السمكية رافدا من روافد الاقتصادات المحلية للدول ذات السواحل البحرية أو الإمكانات المائية كالأنهار والبحيرات ورزقا يمنحه الله بعض شعوب الأرض ويسخره لهم دون غيرهم، قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْما طَرِيّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَة تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 14)، ورغم أهمية البحار الاقتصادية في مجالات كثيرة تفوق صيد الأسماك سواء الاقتصادية والاستراتيجية أو السياسية إلا أن الحديث هنا سيقتصر على مهنة صيد الأسماك على السواحل السعودية.
تتمتع السعودية بواجهات بحرية يبلغ مجموع طول سواحلها نحو 3800 كيلومتر، إحداها على البحر الأحمر، والآخر على الخليج العربي بما في ذلك سواحل الجزر التابعة لها بالبحر الأحمر والخليج العربي وتعد هذه السواحل مهدا للتنمية الريفية في المناطق الساحلية الأكثر حاجة إلى التطوير ويقع عليها أهم المدن والموانئ الاقتصادية التي تعد شرايين اقتصادية بالغة الأهمية للاقتصاد الوطني سواء لتصدير منتجات المملكة النفطية وغير النفطية أو محطات لتحلية المياه التي أصبحت المصدر الرئيس للشرب حاليا وهذه المدن، مثل: مدينة جدة وجيزان وينبع والوجه وضباء والقنفذة ونيوم على البحر الأحمر والخبر والدمام والجبيل ورأس الخير والخفجي على الخليج العربي، إضافة لمئات المدن الصغيرة والقرى والهجر الساحلية.
كما يقطن هذه المدن والقرى والهجر الساحلية وما جاورها عديد من الصيادين الذين يمتهنون هذه الحرفة فيما يعرف اصطلاحا بالصيد التقليدي الذي يستخدم وسائل أكثر حرفية وقوارب صغيرة وبعضها خشبية ويعتمد على المهارات الفردية وما ينقله جيل الآباء للأبناء وهو نظير الصيد الصناعي الذي يستخدم القوارب الحديثة الحديدية والمصنعة أيضا من الألمنيوم والفايبرجلاس وتستخدم وسائل صيد حديثة آلية للإبحار والكشف عن وجود الأسماك وإنزال الشباك ورفعها ووسائل تخزين مبردة، بل إن بعض هذه السفن تعد مصانع عائمة حيث يتم فيها الصيد والمعالجة والتجميد مباشرة على ظهر السفينة.
تعد مجتمعات الصيادين في المملكة مجتمعات مهمة حيث يبلغ تعداد الصيادين نحو 27 ألف صياد يعتمد دخلهم بعد الله على صيدهم، البحري من الأسماك والروبيان، ما يعد مصدر الدخل لأسرهم وأقاربهم أحيانا في تكافل أسري رائع. إضافة لما يمارسه ما يسمى بصيد النزهة من نشاطات أصبحت حقيقة صيدا تجاريا وإن سمي النشاط بالنزهة من حيث عدد قوارب الصيد وكميات الصيد التي تجلبها هذه القوارب.
ويقدر كمية الصيد المحلي بنحو 80 ألف طن سنويا تقدر قيمتها المباشرة ملياري ريال سنويا تشكل دخلا مباشرا لهؤلاء الصيادين يغنيهم عن البحث عن الوظائف الحكومية أو في الشركات والمؤسسات الخاصة، بينما يشكل أيضا دخلا غير مباشر من خلال سلسلة الخدمات المطلوبة ويفوق الإيرادات المباشرة للصيادين وتعتمد عليها مهنتهم مثل مصانع الثلج وسيارات النقل المبردة ومصانع التجهيز وأسواق الحراج والخدمات التسويقية في سلسلة إمداد تبدأ بالصياد وتنتهي بمنزل المستهلك ولا شك أن إيرادات هذه الخدمات والعاملين فيها تشكل بعدا اقتصاديا ومهنيا لا يستهان به وتكفل شريحة من المجتمع أيضا لا تزاحم القطاعين العام أو الخاص في الأغلب.
إن تنمية وتطوير مجتمعات الصيادين وقراهم والاهتمام بحماية وتنمية مناطق صيدهم والمحافظة عليها واجب وطني ولم يغب عن المسؤولين في المملكة ممثلا في برنامج تطوير الثروة السمكية ويعد أصلا في الأعراف والهيئات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" فيما يسمى حقوق الصيادين وهي حقوق تكفل لهم ولأجيالهم المستقبلية مصدر دخل يكفل لهم حياة كريمة.
إن من أهم أوجه التنمية الريفية لمجتمعات الصيادين هي توفير الخدمات الأساسية والبنى التحتية في هذه القرى والهجر مثل الكهرباء والطرق والتعليم والصحة ومياه الشرب وخدمات الإسكان الحديثة، فإن توافر هذه الخدمات يحد من هجرة أبناء هذه المجتمعات وهجرهم هذه المهنة وتعطيل هذا المورد الاقتصادي المهم في توفير الأسماك الطازجة للأسواق المحلية والنزوح إلى المدن، ما يشكل أيضا عبئا وضغطا على الخدمات فيها ويجعلهم يزاحمون في البحث عن الوظائف الحكومية وغير الحكومية ويعطل دورهم الاقتصادي الذي يجيدونه ويخل بالتوزيع الديموغرافي للسكان في هذه السواحل وأهميته في الجوانب الاجتماعية والأمنية والسياسية. ومن تعزيز دخل المجتمعات الريفية عموما والساحلية خصوصا توسيع وتعدد وسائل الدخل لأبنائهم وبناتهم بالتوسع في توفير خدمات التعليم المهنية وتشجيعهم على الدخول فيها بعمل برامج تكون أكثر إقبالا من أبنائهم وبناتهم، فرغم النجاح في إنشاء كليات تابعة للتدريب المهني بإمكانات عالية في الإنشاء والتجهيز تضاهي أرقى الجامعات في بعض المدن والقرى الساحلية، لكن كثير منها لم يوفق في التشغيل والنجاح في تلمس الاحتياج الفعلي لهذه المجتمعات ووفق تطلعاتهم والوفاء بتحقيقها ضمن مدنهم وقراهم وربما بما يخدم مهنتهم مثل صيانة القوارب وغزل الشباك وورش الصيانة ومصانع الثلج ودعم هذه المنشآت بالقروض الميسرة والتسهيلات في الضمانات المالية وتعزيز المنشآت السياحية ذات العلاقة بالبحر كأندية الغوص وتعليم السباحة ومشاريع النزهة بالقوارب والمطاعم العائمة والألعاب البحرية وإنشاء الحدائق بالإطلالات البحرية وحماية سواحل هذه القرى من التعديات والتأكيد بعدم رمي المخلفات على شواطئها أو التعدي على نباتاتها البحرية والطيور المستوطنة بها أو المهاجرة عبرها وحمايتها من كل الأنشطة المؤثرة فيها.
كما أن من دعم وتنمية هذه المجتمعات الساحلية الاهتمام بالمناطق التاريخية والموانئ والمباني القديمة بها وتسيير الرحلات والوفود السياحية اليها لإنعاش اقتصاداتها وإقامة بعض الفعاليات التجارية والسياحية والأدبية في هذه المناطق، وكذلك تعزيز بعض الصناعات الخفيفة مثل مصانع تعبئة المواد الغذائية والصناعات الحرفية والخزفية ودعم مشاريع تربية المواشي التي يمتهنها معظمهم ومشاريع الدواجن ومرافق الخدمات للطرق السريعة التي تمر عبر دولهم. إن نزوح أبناء هذه القرى وهجر أبناء الصيادين لهذه المهنة مؤشر غير جيد، حيث إن معظم الصيادين من كبار السن حاليا ونزوحهم إلى المدن يشكل ضغطا سلبيا على الخدمات بها ويعطل كثيرا من المصالح في هذه القرى والمدن الصغيرة الساحلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي