هل تعيد شركات «اليونيكورن» مشهد فقاعة الإنترنت؟

أول من صاغ مفهوم شركات "اليونيكورن" هي أيلين لي مستثمرة رأس المال الجريء أو الأسهم الخاصة في مقال لها نشر في صحيفة "تيك كرنش" TechCrunch عام 2013. وقصدت أيلين بهذا المفهوم شركات التقنية الناشئة التي يصل تقييمها إلى المليار دولار، رابطة تسميتها بالكائن الخرافي أحادي القرن الذي كان له نصيب من الذكر في أساطير الإغريق. فندرة هذا الكائن أو حتى عدم وجوده استخدمت مجازا للتعبير عن احتمالية ضعيفة لتحقيق شركات التقنية الناشئة تقييمات تتجاوز المليار دولار.
تقيم شركات التقنية الناشئة عادة ليس بناء على أدائها المالي كالأرباح المحققة أو المداخيل النقدية، لكن تقدر قيمتها السوقية بالنظر إلى حجم نموها المتوقع خلال المديين المتوسط أو حتى البعيد. ومن يحدد القيم السوقية للشركات الناشئة بالعادة هم المستثمرون أو ملاك رؤوس الأموال الجريئة أو أصحاب الصناديق الاستثمارية. وقد تحيد تلك التقييمات عن الموضوعية والدقة في التقدير، خصوصا إذا كانت مبنية على قراءات أو توقعات مستقبلية.
ومما يزيد ضبابية تقييم بعض الشركات التقنية الناشئة وتضيف تحديا على المستثمرين لتقييمها بشكل دقيق، مسألة تبني بعض تلك الشركات نماذج عمل فريدة أو تقديم خدمات أو منتجات ابتكارية لا مثيل لها في الأسواق، ما يجعل عملية مقارنتها بشركات منافسة أو شبيهة أمرا بالغ الصعوبة. وقد ينشأ عن غياب أي معلومات معيارية لقياس قيمة الشركات أو نموها المستقبلي، المبالغة في تقدير قيمها السوقية من قبل المستثمرين أو ملاك الصناديق الاستثمارية.
أيضا مما يضخم من تقييم شركات التقنية الناشئة هو اعتمادها على الأصول غير الملموسة كحقوق الملكية الفكرية، أو فريق العمل الذي صنع نجاحا تجاريا في فترة زمنية، ما يعطي المعايير والقوائم المالية أولوية ثانوية في عملية التقييم. وقد يتخذ بعض مديري صناديق الأسهم الخاصة خطوات للتحوط عن طريق إنشاء محافظ مختلفة، وكل محفظة تحوي عددا من شركات التقنية الناشئة، ما يقلل المخاطر في حال إخفاق التقدير في قيمة بعض الشركات المستثمر فيها أو حتى إفلاسها. وفي المقابل، فإن شركة واحدة أو اثنتين عندما تحلق عاليا بالإيرادات والأرباح تغطي قيمة خسائر الشركات ضعيفة الأداء أو المخفقة.
لكن ما مدى استدامة شركات التقنية الناشئة والمقومة بالمليارات؟ في عام 1999 طرحت 280 شركة من شركات تقنية الإنترنت للاكتتاب العام في السوق الأمريكية، وفي بداية الألفية فقدت تلك الشركات ما يقارب 1.76 تريليون دولار من قيمتها السوقية، حيث عرفت تلك الأزمة بأزمة فقاعة الإنترنت. حتى عام 2018، فإن 157 من أصل 280 شركة أفلست أو شطبت من سوق الأسهم، بينما 66 شركة فقط بقيت مستقلة ومدرجة في السوق.
مثال آخر يؤكد المبالغة في بعض تقييم شركات اليونيكورن وأن تقييمها قد يفتقد أحيانا للشفافية والموضوعية مثل شركة زينيفيتس Zenefits الأمريكية. أسست الشركة عام 2013 على يد باركر كونراد في سان فرانسيسكو، وتقدم خدماتها السحابية في مجالات الموارد البشرية والتأمين الطبي. وصل تقييم الشركة في غضون ثلاثة أعوام من تأسيسها إلى 4.5 مليار دولار مع أن إيراداتها لم تتجاوز الـ 44 مليون دولار آنذاك، ثم ما لبثت أن فقدت نصف قيمتها السوقية بعد عام واحد فقط. وبسبب أزمة كورونا تأثرت عمليات الشركة وسرحت عددا كبيرا من موظفيها ليصل إلى 522 موظفا بنهاية 2020 بعد أن كانوا يتجاوزون الألف.
كما أن الأثر الاقتصادي مثل إيجاد الوظائف المباشرة وغير المباشرة أو العائد على الاستثمار الاجتماعي لشركات اليونيكورن يتطلب دراسة مستفيضة ومقارنة بالشركات التقليدية التي توازيها في قيمها السوقية، خصوصا من أصحاب الاختصاص من الاقتصاديين والباحثين. وهل فعلا أن شركات التقنية المليارية تحقق عائدا اقتصاديا ورفاهية اجتماعية على المدى البعيد أم لا؟.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي