مكافحة الاحتكار .. تنسيق أمريكي - أوروبي يثير القلق في عالم الشركات

مكافحة الاحتكار .. تنسيق أمريكي - أوروبي يثير القلق في عالم الشركات

أدى اختيار لينا خان، رئيسة لمفوضية التجارة الفيدرالية الأمريكية، إلى حقبة جديدة من التعاون بين المنظمين على جانبي المحيط الأطلسي، وفقا لمارجريت فيستاجر، رئيسة مفوضية المنافسة في الاتحاد الأوروبي.
قالت فيستاجر لفاينانشيال تايمز إنها رأت "قدرا كبيرا من التوافق" مع زملائها الأمريكيين في صنع السياسات والإنفاذ القانوني، حيث يرحب المنظمون الأوروبيون بعصر جديد من تفكيك الاتحادات الاحتكارية في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن.
تعليقاتها تعكس تقاربا جديدا بين منظمي المنافسة في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة وهم يتابعون قضايا في صفقات مقترحة من قبل فيسبوك، ونفيديا، وإلومينا. يقول مسؤولون في إدارة بايدن إن مثل هذا التعاون سيكون ضروريا لأنهم يتطلعون إلى تشديد نهج أمريكا في قانون المنافسة، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا.
لكن التعاون عبر الأطلسي أطلق صافرات إنذار في غرف اجتماعات مجالس إدارات الشركات الأمريكية، حيث كان المديرون التنفيذيون ينتقدون خان بشدة، التي ينسب إليها الفضل في إصلاح نهج عدم التدخل النسبي الذي كان يعتمده الحزب الديمقراطي في سياسة المنافسة.
يجادل النقاد بأن خان تمكنت، من خلال إقناعها سلطات الاتحاد الأوروبي باتباع أولويات إدارة بايدن، من توسيع سلطة مفوضية التجارة الفيدرالية الأمريكية التي تجد نفسها في بعض الأحيان مقيدة بأحكام قضائية أمريكية، آخرها تلك القضية الكاسحة التي رفعتها لجنة التجارة الفيدرالية ضد فيسبوك.
قالت فيستاجر (53 عاما) حول قضية المفوضية ضد فيسبوك: "إننا نرى في قضية فيسبوك التي رفعتها مفوضية التجارة الفيدرالية مصدرا للإلهام، ونحن نتابع تحقيقاتهم".
أضافت: "أعتقد من المثير للاهتمام حقا أن كلا من جوناثان كانتر (الذي تولى أخيرا رئاسة قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل الأمريكية)، ولينا خان وشخصي، أننا ننتمي إلى أجيال مختلفة. عدد أعوام خبرتنا مختلف (...) ولدينا خلفيات تعليمية مختلفة، لكن هناك كثيرا من الانسجام في الطريقة التي نفكر بها".
على الرغم من الكلام اللطيف الذي قالته فيستاجر، إلا أن بعض العاملين في الشركات الأمريكية يجادلون بأن المشرعين تواطؤوا من أجل تعطيل المعاملات التي لا تستهويهم، حتى لو لم تكن ضمن نطاق صلاحياتهم القضائية.
أشار شون هيذر، نائب الرئيس الأول للشؤون التنظيمية الدولية ومكافحة الاحتكار في غرفة التجارة الأمريكية، إلى أن "الالتزامات الدولية تلزم منظمي مكافحة الاحتكار بكف أيديهم عن الصفقات التي ليس لها علاقة محلية شرعية بولاياتهم القضائية".
قال: "إن استراتيجيات ’فرق تسد‘ المعمول بها بين وكالات مكافحة الاحتكار لعرقلة عمليات الاندماج من أجل التهرب من مراجعة الاختصاص القضائي على أساس المزايا هي بحد ذاتها سلوك يشبه التكتلات الاحتكارية".
في الأسبوع الماضي، توجهت شركة إلومينا للتكنولوجيا الحيوية إلى المفوضية الأوروبية بشأن تحقيق تجريه المفوضية في استحواذ إلومينا على شركة جيريل مقابل ثمانية مليارات دولار، على الرغم من عدم وجود أي أنشطة لشركة جريل في أوروبا.
قال دانييل بيرد، محامي الشركة، أمام جلسة استماع في المحكمة الأوروبية العامة: "إذا كانت المفوضية ستغير سياستها بشكل جذري، فيجب على الشركات أن تكون على علم بها"، مضيفا: "فكروا في وقوف الشركات على الحقائق".
قضية إلومينا واحدة فقط من ثلاث حالات تخضع للتحقيق من قبل المنظمين في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث أصبحت هيئات المراقبة عبر المحيط الأطلسي تنسق فيما بينها بشكل متزايد.
رفع المنظمون الأمريكيون دعوى قضائية في وقت سابق من هذا الشهر لمنع استحواذ شركة نفيديا على شركة تصميم الرقائق البريطانية، آرم، المملوكة لسوفت بانك في صفقة قيمتها 82 مليار دولار، بعد إجراء تحقيقات مشابهة من قبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
وفي الشهر الماضي أمرت هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة الشركة الأم لفيسبوك، ميتا، بإلغاء استحواذها على شركة جيفي مقابل 315 مليون دولار. اشتكت ميتا من القرار، لأسباب ليس أقلها أن جيفي ليس لديها أي خطط ملموسة لدخول سوق المملكة المتحدة.
أشخاص لديهم اطلاع على التحقيقات في قضيتي نفيديا وإلومينا أخبروا فاينانشيال تايمز أن المنظمين في الولايات المتحدة وأوروبا على تواصل دائم وأنهم يتبادلون المعلومات حول القضايا التي يتولونها.
في وقت سابق من هذا الشهر، التقى كل من خان، وكانتر، وفيستاجر في واشنطن وأطلقوا مبادرة "الحوار حول سياسة المنافسة التكنولوجية المشتركة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة". وفي إطار المبادرة، قال الطرفان إن هدفهما هو "التنسيق قدر الإمكان في السياسة والإنفاذ"، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا.
كانتر أخبر فاينانشيال تايمز أن الوحدة التي يرأسها "تعطي الأولوية لبناء العلاقات الدولية" التي تساعد في إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار. أضاف: "تعزيز الحرية الاقتصادية والأسواق التنافسية هدف مشترك لعديد من الجهات التنفيذية المختصة بالمنافسة الدولية".
قال مسؤول في وزارة العدل الأمريكية: "أعتقد قبل عشرة أعوام كانت تجرى مكالمتان خلال (إحدى) القضايا. أما خلال القضايا المهمة اليوم فقد تجرى المكالمات أسبوعيا (...) أو أكثر من مرة في الأسبوع". أضاف: "التعاون قوي للغاية في الوقت الحالي. هذا وقت مثير للغاية".
ويليام كوفاسيتش، الرئيس ـ الجمهوري ـ السابق لمفوضية التجارة الفيدرالية والمدير غير التنفيذي لدى هيئة أسواق المال البريطانية، قال: "تكثفت الجهود أخيرا لعدد من الأسباب ليس أقلها، هو عند التعامل مع أسواق جديدة ومعقدة مثل شركات التكنولوجيا الكبرى يصبح من الجيد أن نكون قادرين على جمع الموارد ومشاركة المعلومات".
في الأعوام الأخيرة، اتحد المنظمون الأوروبيون والأمريكيون في مواجهة التحدي المشترك المتمثل في كبح جماح قوة الشركات التي تملك مجموعات التكنولوجيا الكبرى، والتي يتمتع عديد منها بتدفق إيرادات مالية ونماذج أعمال مبهمة.
قالت فيستاجر: "هذا التحالف في سن القوانين عندما يتعلق الأمر بالحلول الرقمية – يجعل من المهم حقا أن نتمكن من الاجتماع معا من أجل مناقشة الكيفية التي يمكن من خلالها لحياتنا الواقعية أن تحفز ذلك إذا واجهتنا قضية".
بيل باير، الزميل الزائر في معهد بروكينجز والرئيس السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل الأمريكية، يرى أن "هذا النهج ليس جديدا بقدر ما هو اعتراف بأن هذه التحديات عالمية وأن الوصول إلى نتائج مرضية يتطلب تعاونا وثيقا فوق العادة".
بدأت المؤشرات الأولية لمثل هذا التعاون في الظهور في ظل إدارة ترمب، عندما منعت هيئة أسواق المال في المملكة المتحدة اندماجا مقترحا بقيمة 360 مليون دولار بين شركتي برمجيات الطيران في الولايات المتحدة، سيبر وفيرلوجيكس، بعد أن خسرت وزارة العدل الأمريكية قضيتها في المحكمة.
لكن هذا النهج المشترك لم يكن مكتملا وكان يخضع إلى أهواء الرئيس السابق الذي لم ترق له عديد من شركات التكنولوجيا الكبرى، لكنه في الأغلب ما كان مقيدا بفكرة اتخاذ المنظمين الأوروبيين الإجراءات اللازمة ضدها.
لكن بايدن حث على إعادة التفكير بشكل جوهري أكثر في سياسة المنافسة الأمريكية من خلال تعيين ثلاثة من التقدميين لتولي مناصب قيادية لمكافحة الاحتكار في إدارته: عين خان في مفوضية التجارة الفيدرالية، وكانتر في وزارة العدل، ونصب تيم وو مستشارا للبيت الأبيض. ثلاثتهم دعوا إلى فرض قوانين أكثر صرامة على المنافسة، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا. بينما صنعت خان اسمها، عندما كانت أكاديمية، من خلال المناداة بتجزئة شركة أمازون.
قال عضو في جماعة ضغط في واشنطن: "لأعوام كان المنظمون الأمريكيون ينظرون إلى نظرائهم الأوروبيين على أنهم اشتراكيون مناهضون لأمريكا. أما الآن فيمكن القول إن الأمريكيين أصبحوا اشتراكيين أكثر من الأوروبيين أنفسهم".
أحد المصرفيين في وول ستريت، الذي قدم على مدى نحو ثلاثة عقود استشارات بشأن عدد من الصفقات معقدة، قال "إن هذا النظام الجديد بالكامل إنما يعكس العبء الذي يقع على عاتق الشركة. في المرة المقبلة التي سيتم فيها عقد أي صفقة، يجب ألا يعود الأمر إلى وزارة العدل لتخبرك ما إذا كانت هذه الصفقة جيدة أم سيئة (...) الأمر متروك لك لإثبات أنها مناسبة حقا".
هناك بعض الدلائل على أن النهج الأكثر صرامة وتنسيقا قد بدأ يؤتي ثماره. تراجعت عمليات الاستحواذ الضخمة في الولايات المتحدة في عام 2021 - وهي الصفقات التي تزيد قيمتها على 25 مليار دولار أو 50 مليار دولار، وفقا للبيانات التي نشرتها ريفينيتيف، حيث بدا أن الشركات، ولا سيما في مجال الأدوية والتكنولوجيا، ابتعدت عن الخوض في معترك المخاطر القانونية.
لكن في الوقت نفسه، يبدو أن عمليات الاندماج الأصغر كانت تتقدم دون أي معوق. فقد ارتفع عدد الصفقات المبرمة إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في عام 2021، مع أكثر من خمسة تريليونات دولار من المعاملات التي تم إجراؤها في الأغلب من قبل شركات الأسهم الخاصة، التي تميل إلى إبرام صفقات أصغر حتى لا تلفت انتباه الهيئات التنظيمية.
قال أحد صانعي الصفقات في بنك استثماري كبير: "لقد تحول البندول (التنظيمي) ضد الشركات (...) يجب أن نصب اهتمامنا بشكل أكبر على الأسهم الخاصة". أضاف: "ليس لدى أصحاب شركات الأسهم الخاصة أي مشكلة على الإطلاق. في الواقع، الأمر ينتهي بهم إلى شراء الأشياء بسعر زهيد ولا يبدو أن أي أحد يأبه إذا ما قاموا بطرد آلاف الأشخاص فيما بعد".
لكن صانعي الصفقات يقولون إن عليهم في الأعوام المقبلة أن يكونوا أكثر علما بما قد يفكر فيه المنظمون على الجانب الآخر من الأطلسي.
بحسب أحد محامي الشركات في الولايات المتحدة، الحقبة الجديدة من التعاون بين بروكسل وواشنطن تمثل أخطر تهديد حالي يواجهه نشاط عقد الصفقات.
قال: "(إنهم) يكملون بعضهم بعضا. فهل يؤدي هذا إلى تعطيل مزيد من الصفقات؟ قطعا. ما لا يمكن تعطيله هنا قد يتم في الاتحاد الأوروبي، يساعدهم في ذلك المنظمون في العاصمة واشنطن".

الأكثر قراءة