الثورة الرقمية الحديثة .. اتجاه نحو التكامل
علوم البيانات، الذكاء الاصطناعي، الإنترنت وإنترنت الأشياء، تعلم الآلة، الروبوتات وغيرها من تقنيات الهندسة والحاسب التي تعد ركائز مهمة وحجر أساس في التطور الرقمي والتقني الذي يشهده العالم اليوم. قبل عقد من الزمان تقريبا كانت التقنيات الرقمية تعمل بشكل مستقل عن بعضها بعضا، وتخدم تطبيقات محددة وبمقاييس محدودة. لكن مع بداية العقد الثاني من القرن الـ 21، أتاح التطور العلمي والتقني المتواصل في عالم التقنيات الرقمية المضي قدما في تبني التقنية عموما، والرقمنة خصوصا.
وقد غزت التقنيات الرقمية بشكل موسع المجال الصناعي، فاستفادت المصانع تحديدا من قدرات الحاسب الآلي والروبوتات في ظل وجود شبكات الإنترنت في أتمتة خطوط الإنتاج وزيادة التصنيع وخفض التكاليف. ومع استمرار التطور التقني وانخفاض تكاليف امتلاك وتشغيل تلك التقنيات، طرأ مفهوم التكاملية والاتصال connectivity بين التقنيات الرقمية التي كانت إيذانا ببداية ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة. كانت بداية هذا النهج في التصنيع والإنتاج عام 2011، حيث توظف التقنيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات وغيرها، وتربط مع الأصول الملموسة كخطوط الإنتاج أو العاملين لتسهيل عمليات التواصل والتحليل، واتخاذ القرار ومن ثم التنفيذ.
عدة مفاهيم تحدد ملامح الثورة الصناعية الرابعة وكيفية توظيفها للتقنيات الرقمية. أولها الترابط وإتاحة الاتصال بين الأجهزة والمعدات من جهة، والعنصر البشري من جهة أخرى. المفهوم الثاني انسيابية المعلومات وتوافرها للعاملين أو المشغلين لتسهيل عملية اتخاذ القرارات كإغلاق خط إنتاج أو زيادة عدد ساعات التصنيع بناء على وفرة المخزون أو نقيضه. ويدعم هذا التحول الرقمي قدرة التقنيات الرقمية بإضفاء اللامركزية أو الاستقلالية في عمليات اتخاذ القرارات، لتكون من المهام الأصيلة للأجهزة الصماء وليس الإنسان.
يلقي الوصف السابق نظرة سريعة على الثورة الصناعية الرابعة وكيفية تكامل تقنياتها من الناحية التطبيقية. لكن هذا التقارب يقتضي تكاملا وتقاربا أكثر من أي وقت مضى بين العلوم والمعارف المؤسسة لتلك التقنيات. وقد يفرض مزيد من هذا التقارب واقعا جديدا في مراكز الأبحاث والتطوير التقني، لتتقارب التخصصات المختلفة بشكل متناغم في تقديم حلول وتطوير منتجات رقمية أكثر شمولية. فالثورة الرقمية في المجال الطبي سواء في مجال التشخيص أو أثناء متابعة ما بعد مرحلة العلاج، تستلزم تكاملا بين مطوري المجسات الإلكترونية، على سبيل المثال، ومبرمجي الخوارزميات المضمنة في أجهزة التحكم، والممارس الصحي.
في خبر نشرته جامعة لندن الإمبريالية Imperial College London مطلع هذا الأسبوع عزمها إطلاق مبادرة جديدة باسم "آي. إكس" I-X، وهو مشروع لتوظيف خبراتها الأكاديمية والبحثية في مجالات متنوعة كعلم البيانات والذكاء الاصطناعي وعلوم الرياضيات لقيادة الموجة التالية من الثورة الرقمية. تنوي الجامعة اللندنية إطلاق مشروعها بداية العام المقبل لتجمع ما يقارب 500 باحث من كليات الهندسة، والعلوم الطبيعية، والطب، وكلية إمبريال للأعمال تحت مبنى واحد لتعظيم سبل التعاون، وتجاوز تخصصاتهم الفردية لمواجهة تحديات المستقبل. وبهذا الصدد صرح البروفيسور إيريك ييتمان رئيس المبادرة أن الهدف من المبادرة هو تقديم أبحاث تحويلية Transformative research لبناء مستقبل أفضل من خلال الجمع بين الجامعات والأعمال والحكومة والجيل المقبل من الشباب.
إن هذا المشروع يعد أحد الأمثلة على النهج الجديد الذي تتبناه مراكز الأبحاث المرموقة للاتجاه نحو التكامل والتناغم بين التخصصات العلمية حتى العلوم الإنسانية كالاقتصاد والأعمال، للتغلب على تحديات العصر الحالية والمستقبلية، وتوظيف التقنيات الرقمية لمواجهتها.