هل التعاون الاستراتيجي مع الصين أمر ممكن؟ «2 من 2»
هناك حاجة واضحة إلى تقييد استخدام التكنولوجيا الرقمية وتكنولوجيات الفضاء الإلكتروني السيبرانية لأغراض هجومية، وتحرير التدفقات غير الخطرة للتكنولوجيا عبر الحدود في الصحة والتعليم والقطاعات الأخرى المهددة بخطر الحظر لاعتبارات الأمن القومي.
أخيرا، هناك التحدي العالمي المتمثل في تغير المناخ. فبدون التحرك الحر السلس للتقنيات الضرورية والتمويل اللازم، لن تسنح للعالم أي فرصة للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية. وفي ظل وجود تحديات كثيرة مشتركة، ربما توقع المرء أن تسعى القوتان الرئيستان في العالم لتحقيق توازن صعب، لكنه عقلاني بين التنافس الاستراتيجي والتعاون الاستراتيجي. فعلى أي حال، سيستفيد كل من الصين والولايات المتحدة من الاعتراف بأن هناك مصالح مشتركة مقنعة تجمعهما، وليست فقط خلافات لا يمكن تحاشيها. غير أن هذا لم يحدث في معظم الأحوال.
هناك تشدد وجمود في المواقف على كلا الجانبين، مع ركون كل حكومة إلى نوع من اليقين المريح والعقيم في الوقت ذاته بأنها تستأثر بالمعايير الأخلاقية العالية. فلم يعد من المتصور في الولايات المتحدة فشل نظام الإدارة الحكومية في الصين أو تحوله إلى نسخة ما من الرأسمالية الديمقراطية، إذ يعتقد واضعو السياسات في الحزبين الرئيسين الآن أن الفضل في صعود الصين يعود لرفضها المستمر الالتزام بالقواعد والقوانين.
على الجانب الصيني، لا ينظر إلى الاستراتيجية الأمريكية على أنها مسعى لإعاقة، بل لعكس مسار التقدم التكنولوجي في الصين، بينما يقدم ما يحدث في الولايات المتحدة من استقطاب حزبي وانقسامات اجتماعية على أنها دليل على نظام سياسي واقتصادي متهالك ومتضعضع.
في تلك الأثناء، يواصل الاقتصاد العالمي المرور بأربعة تحولات بنيوية رئيسة على الأقل هي: الثورة الرقمية متعددة الأبعاد، والاندفاع نحو الطاقة النظيفة والاستدامة البيئية، والاكتشافات الكبرى في علم الطب الحيوي وعلم الأحياء، وصعود آسيا. تجلب تلك التطورات الأربعة فرصا كبرى لتحسين الرخاء العالمي عبر أبعاد كثيرة مختلفة، غير أن كلا منها يشتمل على تحولات مخلة بالنظام القائم يتطلب تكيفات جوهرية مع أطر العمل والمؤسسات العالمية القائمة.
في ظل تلك الظروف، لا نملك حقا ترف التركيز قصرا على التنافس أو اختلاق المعارك لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، لأن المخاطر المحيطة بصحة ورخاء العالم مرتفعة للغاية. إن الهروب من المسار الخطر الذي تقودنا إليه المنافسة الخالية من التعاون يستلزم الاضطلاع بدور قيادي ثابت ومستمر من كلا الجانبين ومن كل قطاعات المجتمع. أعرف أنه لا ضمانة للنجاح، لكن لا بديل عن المحاولة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.