أشباه الموصلات .. الأزمة دورية

في ذروة جائحة كورونا عام 2020 تأثرت إمدادات أشباه الموصلات ومنتجات الرقائق الإلكترونية تحديدا عالميا. فموجات الإصابة بفيروس كورونا أدت إلى إغلاق كثير من مصانع الرقائق في دول شرق وجنوب شرق آسيا، وتعطل على إثرها عديد من طلبات العملاء سواء من مصنعي السيارات، وهم الأكثر تضررا، أو شركات أنظمة الاتصالات والأجهزة الذكية. وتوصف سلاسل إمداد أشباه الموصلات بكونها سلسلة غير مرنة مع أي متغيرات مفاجئة في العرض والطلب لعدة أسباب منها، الحاجة إلى إنشاء مصانع جديدة لاستيعاب أي زيادة كبيرة في طلبات السوق، وذلك يعني استثمارات بمليارات الدولارات. كما أن كثيرا من مصنعي الرقائق يعتمدون على شركاء خارجيين في عمليات التغليف أو إجراء الاختبارات لتلك الإلكترونيات، ما يعني وقتا أطول للتسليم lead time delivery.
وفي ربيع 2020، عندما ألغى عديد من مصنعي السيارات طلباتهم من أشباه الموصلات، بسبب الإغلاقات وقت الجائحة، تفاجأوا أن إمدادات احتياجاتهم من الرقائق ستستغرق ما يصل إلى ستة أشهر حال الطلب من جديد. وقد تسبب هذا الإرباك في إمداد أشباه الموصلات بتعليق الإنتاج في عدد ليس بقليل من مصانع إنتاج السيارات، خاصة تلك التي تعمل في جنوب شرق آسيا. فشركة تويوتا على سبيل المثال، عملاق صناعة السيارات اليابانية، أغلقت 14 مصنعا من مصانعها، بسبب شح إمدادات الرقائق الإلكترونية التي وقعت بين مطرقة تفشي كورونا بين عاملي المصانع وبين سندان حظر التجول في المدن التي تعمل فيها. ولحساسية هذه الصناعة، فقد أعلنت شركة فورد الأمريكية صيف العام الماضي أيضا تعليق إنتاج مركبتها F-150 في أحد مصانع إنتاجها في الولايات المتحدة، بسبب نقص الإمداد في أشباه الموصلات التي تستوردها من ماليزيا.
شركة فولكس فاجن الألمانية لم تستطع كذلك تلبية جميع طلبات عملائها من المركبات، بسبب نقص الإمدادات في أشباه الموصلات، وفاقم ذلك إغلاقات مصانعها ومصانع الموردين أثناء قمة موجة الجائحة. حيث لم تتحقق تطلعات الشركة من المبيعات لعام 2021 خصوصا في السوق الصينية، بل عانت انخفاضا قدره 14 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه. كما أن توقعات الشركة بعدم ثبات إمدادات أشباه الموصلات خلال النصف الأول من هذا العام قد تؤثر في تحقيقها المبيعات المخطط لها هذا العام.
وكما يقال في المثل، "مصائب قوم عند قوم فوائد". فقد استفاد أكبر منتج لرقائق أجهزة الحاسب والأجهزة الذكية، شركة سامسونج الكورية من نقص الإمدادات في أشباه الموصلات الذي انقلب إلى ارتفاع في أسعار الرقائق عموما وزيادة الطلب عليها، مدفوعا بالتوسع في إنشاء مراكز البيانات وخدمات بث الفيديو عالميا. وبالفعل حققت الشركة ارتفاعا قياسيا قدره أكثر من 52 في المائة في أرباحها التشغيلية في الربع الرابع من العام المنصرم. كما أدت تلك الجائحة إلى حصول الشركة على عقود لتأمين احتياجات أشباه الموصلات لعملائها لمدة عامين متتاليين حتى عام 2023.
ووفق مختصين في المجال، فإن أزمة إمدادات أشباه الموصلات التي حدثت أثناء الجائحة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بل هي دورية في طبيعتها تتفاقم أو تتراجع بناء على العرض والطلب العالمي. كما أن من المتوقع أن تحافظ تلك الصناعة على النمو والتوسع، بسبب انتشار التقنيات الحديثة التي تعتمد بشكل أساسي على الأجهزة الحاسوبية والإلكترونية التي تعد صناعة الرقائق القلب النابض لها. كما أن الزخم الابتكاري والبحثي في تلك الصناعة آخذ بالتصاعد، ويحظى بمزيد من التطوير والاستثمار حتى على مستوى الحكومات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي