سوء إدارة توقعات التضخم «1 من 2»
ليس مطلوبا من القائمين على البنوك المركزية أن يكونوا خطباء مفوهين بارعين في استخدام الكلمات. لا يشمل توصيفهم الوظيفي عادة القدرة على صياغة فقرات أنيقة. حتى وقت قريب، كان عديد من صناع السياسات النقدية البارزين يمارسون عملهم بما يتماشى مع مبدأ "من قل كلامه قل خطؤه". عاش مونتاجيو نورمان؛ محافظ بنك إنجلترا خلال الفترة من 1920 إلى 1944، وفقا لشعار "لا تشرح أبدا، ولا تعتذر أبدا". على نحو مماثل، قال ألان جرينسبان؛ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق متفاخرا بأنه "تعلم كيف يغمغم بدرجة كبيرة من عدم الاتساق".
لكن هذه الآراء أصبحت الآن عتيقة. كان كبار مسؤولي بنك إنجلترا يلقون في المتوسط ما مجموعه 13 خطابا سنويا في تسعينيات القرن الـ 20. وفي العقد الأخير أصبح المتوسط أكثر من 80، ويشير خط الاتجاه إلى مزيد من الارتفاع. ويمكننا ملاحظة نمط مماثل في البنوك المركزية الأخرى.
هذا ليس لأن القائمين على البنوك المركزية يتوقون الآن إلى أن يكونوا شخصيات عامة، ففي مجالسهم الخاصة، ربما يفضل كثيرون منهم نهج نورمان. لكن نظام استهداف التضخم يعتقد أنه يعمل من خلال إدارة واضحة وجديرة بالثقة للتوقعات. فإذا تمكنت من إقناع قوى اقتصادية فاعلة بأنك ستحقق هدفك في أغلب الأوقات، فسيقومون بجزء من وظيفتك نيابة عنك من خلال تعديل مطالبهم فيما يتصل بالأجور والحفاظ على استقرار الأسعار.
ولهذا تشكل اتصالات البنوك المركزية أهمية واضحة، وهي من منظور واضعي السياسات ليست ميزة اختيارية. كانت تجربتهم في الأشهر الأخيرة مؤسفة. ففي أيلول (سبتمبر)، كان جيروم باول؛ رئيس الاحتياطي الفيدرالي، يخبر العالم أن ارتفاع التضخم الذي بدأ يصبح محسوسا في الصيف الماضي، كان مؤقتا. التقطت هذه الكلمة كريستين لاجارد؛ رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) كانت لا تزال تستخدم على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم الغربي.
لكن بحلول كانون الأول (ديسمبر)، مع ارتفاع التضخم إلى 7 في المائة، تغيرت الرسالة، وأصبحت كلمة "مؤقت" عتيقة الطراز. وأصبح باول يخبرنا أن "الوقت ربما كان مناسبا لإحالة هذه الكلمة إلى التقاعد"، في حين أقرت جانيت يلين؛ وزيرة الخزانة الأمريكية، التي سبقته في رئاسة الاحتياطي الفيدرالي، أن تلك الكلمة "لم تكن وصفا مناسبا".
نادرا ما تكون حياة مصطلح مالي قصيرة إلى هذا الحد. فالآن أصبحت كلمة "مؤقت" مدفونة في مقبرة البنوك المركزية المعجمية إلى جانب مصطلح "التوجيهات المسبقة". فدوام الحال من المحال، كما يقول الرومان.
ترى هل يشكل هذا التحول اللغوي المفاجئ المحرج أي أهمية؟ أخشى أنه مهم حقا.
تمثل الخطابات جزءا واحدا فقط من مزيج الاتصالات الذي تستخدمه البنوك المركزية للتأثير في توقعات التضخم. اتجهت السلطات النقدية أيضا بحماس إلى وسائط التواصل الاجتماعي، خاصة "تويتر"، حيث أصبح لدى الاحتياطي الفيدرالي حاليا أكثر من 800 ألف متابع، والبنك المركزي الأوروبي أكثر من 650 ألف متابع، للتصريحات التي تمجد فضائل التضخم المنخفض بانتظام.
لكن هناك أدلة جديدة مقلقة تشير إلى أن هذه الرسالة لا تصل إلى الجمهور، وأن البنوك المركزية ليست محل ثقة بالقدر الذي تود لو تتصوره. الواقع أن أقل من 20 في المائة من الأسر الأمريكية على دراية بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يستهدف معدل تضخم بنسبة 2 في المائة. ومن الجدير بالملاحظة أن نحو 40 في المائة يتصورون أنه يستهدف معدل تضخم يبلغ 10 في المائة أو أكثر... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.