سوء إدارة توقعات التضخم «2 من 2»

يعتقد كثيرون أيضا أن التضخم كان خلال الآونة الأخيرة أعلى مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية. وهنا ربما يكون بعض منهم على حق، حيث تواجه الطبقات الاجتماعية المختلفة معدلات تضخم مختلفة. على سبيل المثال، يؤثر ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في نحو غير متناسب على الأسر الأكثر فقرا.
الواقع أن البنوك المركزية تعشق التركيز على ما يسمى التضخم الأساسي الذي يستبعد العوامل قصيرة الأجل تحديدا، الزيادات في أسعار الغذاء والطاقة التي لا تستطيع السلطات النقدية السيطرة عليها. وهذا من الممكن أن يجعل صناع السياسات يرون ارتفاع التضخم على أنه مؤقت. لكن توقعات الأسعار بين المستهلكين تتشكل على النقيض من ذلك من خلال معدل التضخم الذي شهدوه بالفعل، وتعد تكاليف الغذاء والطاقة عنصرا مهما في ميزانيات عديد من الأسر.
لعل هذا هو السبب الذي يحمل المستهلكين الأمريكيين والأسر الأمريكية على الاعتقاد بأن التضخم سيكون في العام المقبل أعلى مما يتصور الاقتصاديون الأمريكيون. يتوقع الاقتصاديون في المتوسط معدل تضخم للعام المقبل يبلغ 3.7 في المائة. ويتوقع مديرو الأعمال أن يكون أعلى قليلا، عند مستوى 4.1 في المائة، في حين تتوقع الأسر ارتفاع الأسعار بنحو 4.7 في المائة. كما أن توقعات الأسر للأمد المتوسط أعلى. من المؤكد أن هذا القدر من التشاؤم سيؤثر في مطالب الأجور، كما يبدو واضحا بالفعل.
ترى من سيكون مصيبا؟ سنعرف قريبا. تستطيع البنوك المركزية أن تشير إلى بعض الحجج المقنعة التي تدلل على أن التضخم سينخفض خلال العام المقبل. على سبيل المثال، رغم ارتفاع الطلب على التبريد، تنخفض تكاليف الطاقة عادة في مواسم الصيف في نصف الكرة الشمالي.
لكن النظرة المستقبلية لتكاليف الطاقة غير مؤكدة على الإطلاق، لأنها تتأثر بمخاطر جيوسياسية لا يمكن التنبؤ بها، وليس فقط عوامل العرض والطلب التي يمكن وضع نماذج لها بسهولة أكبر. ربما يكون المؤشر الأكثر نفعا في هذا الصدد عدد القوات الروسية المحتشدة على الحدود الأوكرانية، وهذا ليس من الإحصائيات التي تجمعها البنوك المركزية عادة.
في الوقت الحالي لا تعد البنوك المركزية في وضع يائس، فالتضخم المفرط ليس قاب قوسين أو أدنى. وبوسع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يزعم أن مستوى الأسعار عاد بالكاد إلى حيث يجب أن يكون لو أن صناع السياسات حققوا بدقة هدف التضخم السنوي 2 في المائة كل عام منذ عام 2000. وفي منطقة اليورو، لا تزال الأسعار أقل من هذا المستوى بنحو 10 في المائة.
لكن التكاليف المترتبة على فقدان السيطرة على توقعات المستهلكين للتضخم، وهو ما فعلته البنوك المركزية الرئيسة على ما يبدو، قد تكون باهظة. وسيكون تطور تسويات الأجور خلال الربع المقبل بالغ الأهمية. فإذا تسارعت زيادات الأجور، ستضطر البنوك المركزية إلى الاستجابة بحزم أو تخسر مزيدا من مصداقيتها، وعلى هذا فسترتفع أسعار الفائدة حيث لا تزال الاقتصادات تناضل للخروج من الجائحة. ما يدعو إلى التفاؤل بأن باول أعيد تعيينه أخيرا، لأن من غير الممكن أن يفوز بأي مسابقة على الشعبية عام 2022.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي