الصين ولعبة مثلث المناورة «1 من 2»

نادرا ما تكون نقاط التحول ظاهرة بقدر كبير من الوضوح. لكن البيان المشترك الصادر في الرابع من شباط (فبراير) عن فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، وشي جين بينج الرئيس الصيني، مع افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في بكين ربما يكون استثناء، ما يشير إلى نقطة تحول جديدة في حرب باردة جديدة. وكانت لعبة المثلث مناورة أمريكا الاستراتيجية الحاسمة في الحرب الباردة الأولى. أفضى تقارب ريتشارد نيكسون مع الصين قبل 50 عاما إلى عزل الاتحاد السوفياتي السابق، في وقت حيث بدأت أساساته الاقتصادية تتداعى. على حد تعبير هنري كيسنجر، في كتابه "عن الصين": "بدأ التقارب الصيني الأمريكي كجانب تكتيكي في الحرب الباردة، ثم تطور إلى أن أصبح على قدر كبير من الأهمية في تعزيز تطور النظام العالمي الجديد". استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تنجح الاستراتيجية. لكن بعد 17 عاما، سقط سور برلين وانهار الاتحاد السوفياتي.
لم تكن الصين قط ممن يتجاهلون دروس التاريخ، وهي الآن تختار ممارسة مناورة المثلث في حرب باردة ثانية وليدة. قد تتسبب الشراكة الترادفية بين الصين وروسيا في تحويل توازن القوى العالمية، في وقت حيث تعاني أمريكا الضعف خاصة. وهذا يشير إلى نهاية مثيرة للقلق. بوسعنا أن نجد تلميحات مهمة عندما نفحص مناورة المثلث من الحرب الباردة الأولى. بسبب خوفها من التهديد العسكري السوفياتي، قاومت الولايات المتحدة باحتضان الصين في زواج مصلحة اقتصادي.
بوسعنا أن نجد تلميحات مهمة عندما نفحص مناورة المثلث من الحرب الباردة الأولى. بسبب خوفها من التهديد العسكري السوفياتي، قاومت الولايات المتحدة باحتضان الصين في زواج مصلحة اقتصادي. لا عليك أن الشراكة الأمريكية الصينية التي زودت المستهلكين الأمريكيين المضغوطين بشدة بمنتجات رخيصة في البداية، تحطمت الآن بسبب الحرب التجارية والتكنولوجية. المقصود هنا هو أن استراتيجية مماثلة تجمع الآن بين الصين وروسيا.
هذا الزواج الجديد مناسب من الناحيتين الاقتصادية والجيوستراتيجية. فروسيا لديها الغاز الطبيعي الذي تحتاج إليه الصين المتعطشة للطاقة التي تعتمد على الفحم وتعاني التلوث. والصين، بما تتمتع به من مدخرات فائضة، وقدر وفير من رأس المال الأجنبي، فضلا عن مبادرة الحزام والطريق، تعرض على روسيا نفوذا إضافيا لدعم طموحاتها الإقليمية التي لا تخفيها إلا قليلا.
والزاوية الجيوستراتيجية مقنعة بالقدر ذاته. الواقع أن كلا من شي جين بينج وبوتين مقتنعان، سواء كانا على صواب أو خطأ، بأن الولايات المتحدة تسعى إلى احتواء صعودهما السلمي المفترض. ولا تكتفي الصين بالإشارة إلى الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، والعقوبات المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية الرائدة، بل تشير أيضا إلى شراكة طموحة عبر المحيط الهادئ استبعدت الصين "وتحولت منذ ذلك الحين إلى الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ". وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، أنشأت أستراليا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة ما يسمى الاتفاقية الأمنية الثلاثية AUKUS التي تستهدف الصين بوضوح تام.
يسوق بوتين حجة مماثلة في مقاومة احتواء الولايات المتحدة لروسيا. فخوفا من توسع حلف شمال الأطلسي، يبدو أنه أكثر من راغب في احتجاز أوكرانيا رهينة والدفع بأوروبا إلى شفا صراع مدمر آخر. الواقع أن بوتين الذي وصف زوال الاتحاد السوفياتي بأنه كارثة جيوسياسية كبرى في القرن الـ 20، لا يتمنى شيئا أفضل من إعادة التاريخ إلى الوراء. بيد أن تهديدات الرئيس الأمريكي جو بايدن، ربما تجعل بوتين محاصرا، فلا يجد مسارا للتهدئة... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي