الصين ولعبة مثلث المناورة « 2 من 2»
لا يترك البيان الصيني الروسي المشترك الصادر في الرابع من شباط (فبراير) أي مجال للشك في أن الزعيمين مجمـعان على رأي مفاده أن أمريكا تشكل تهديدا وجوديا لطموحاتهما. كان بوتين ناجحا في حمل شي جين بينج على الإدلاء بدلوه ضد توسع حلف شمال الأطلسي ــ وهي قضية تقع خارج صلاحيات شي تماما. كما اختار شي بوتين للتوقيع على اتفاقية تناسب قالب "فـكر شي جين بينج"، مروجا لبيانهما المشترك على اعتباره تصريحا سياسيا صينيا آخر عظيما في "عصر جديد".
ليس هناك من شك في أن الصين وروسيا احتضنتا لعبة المثلث كمناورة استراتيجية. من قبيل المفارقات أن الولايات المتحدة، على النقيض من زمن الحرب الباردة الأولى، هي الطرف الذي تـمـارس ضده مناورة المثلث الآن. وكما كانت الحال في السابق، فهناك سبب وجيه يجعلنا نعتقد أن النهاية ستتحدد في الساحة الاقتصادية.
هنا تصبح المقارنة بين الحربين الباردتين مثيرة للقلق بشكل خاص. فمنذ عام 1947 إلى عام 1991، كان اقتصاد الولايات المتحدة متوازنا وقويا. على النقيض من ذلك، على مدار العقد الماضي، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي "1.75" ومكاسب الإنتاجية "1.1 في المائة" عند نصف معدلهما المتوسط خلال فترة الأعوام الـ44 السابقة. والمقارنات الأخيرة أسوأ حتى بالنسبة إلى الادخار المحلي، والحساب الجاري، والعجز التجاري الهائل في أمريكا.
انتصرت الولايات المتحدة في الحرب الباردة الأولى ليس فقط لأن اقتصادها كان قويا بل أيضا لأن خصمها كان فارغا. فبدءا من عام 1977، تباطأ نمو نصيب الفرد في الناتج في الاتحاد السوفياتي بشكل كبير، قبل أن يسجل هبوطا شديدا بمعدل بلغ 4.3 في المائة سنويا في المتوسط في العامين الأخيرين من الحرب الباردة. كان ذلك نذيرا بانهيار اقتصادي لاحق لـخـلـف الاتحاد السوفياتي. وبالفعل، خلال الفترة من 1991 إلى 1999، انكمش اقتصاد الاتحاد الروسي بنسبة 36 في المائة.
اليوم، يواجه الاقتصاد الأمريكي الأضعف الصين الصاعدة، على عكس الـصـدام السابق بين أمريكا القوية والاتحاد السوفياتي المترنح. وليس من المحتمل فضلا عن ذلك أن يتضاءل نفوذ الصين بفعل روسيا، التي تلعب دورا ثانويا في الاقتصاد العالمي. في عام 2021، كان الناتج المحلي الإجمالي الصيني ستة أضعاف مثيله في روسيا، ومن المتوقع أن تزداد الفجوة اتساعا في الأعوام المقبلة.
بيد أن بوتين يعطي شي جين بينج ما يريده على وجه التحديد: شريكا قادرا على زعزعة استقرار التحالف الغربي وصرف تركيز أمريكا الاستراتيجي بعيدا عن استراتيجية احتواء الصين. من منظور شي، يترك هذا الباب مفتوحا على مصراعيه أمام صعود الصين إلى مكانة القوة العظمى، وتحقيق وعد التجديد الوطني المبين في "حلم الصين" العزيز على شي.
في أواخر عام 2019، حذر كيسنجر من أن الولايات المتحدة والصين تقفان بالفعل على "سفوح حرب باردة جديدة". ومنذ ذلك الحين، ازدادت الحبكة إحكاما مع ظهور استراتيجية المثلث الجديدة. الحق أن مناورة شي وبوتين تعزز الاستنتاج بأن هذه الحرب الباردة ستكون مختلفة تماما عن الحرب السابقة. ومن المحزن أن أمريكا تبدو غافلة تماما عن الخطر.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.