حوكمة رأس المال البشري
يعد رأس المال البشري ممكنا مهما لمستقبل الأعمال، ومحركا يعتمد على الإبداع والشغف ليقود التغيير المستمر والإيجابي والمستدام. التطورات التي تفرضها حوكمة الشركات على حياة الإدارة تؤكد أهمية الاهتمام برأس المال البشري وتفرض مزيدا من الرقابة الشاملة والحوكمة على هذا الاستثمار الحيوي.
في مقال نشرته WTW لكل من Don Delves وآخرين من خبراء الشركة حول حوكمة رأس المال البشري كبداية لعصر جديد، يؤكد ثلاثة محركات رئيسة للتأثير.
أولا: تأثير شركات الاستثمار Institutional investors لفرض مزيد من الاهتمام للموضوعات المرتبطة بالبيئة والقضايا الاجتماعية ومسائل الحوكمة (environmental, social and governance issues (ESG مع التركيز بشكل متزايد على موضوع إدارة رأس المال البشري human capital management، حيث يرى أنه مع بداية هذا العقد سيكون تركيز عديد من المستثمرين على قضايا الاستدامة Sustainability بشكل أكبر.
ثانيا: بحسب بيان (Business Roundtable (BRT يؤكد فيه أن غرض الشركة هو خدمة مصالح جميع أصحاب المصلحة all stakeholders بما في ذلك الموظفون والعملاء والبائعون والموردون والمجتمع، والبيئة، والمساهمون، والملاك. وهذا يؤكد أهمية الموظفين، كرأسمال بشري، وأحد أهم مكونات سلسلة أصحاب المصلحة للإسهام في نجاح الأعمال على المدى الطويل، ويؤكد أيضا أن مصالح المساهمين تتطلب وجود موظفين يتمتعون بصحة جيدة ومشاركين ويعملون بجد.
ثالثا: لأهمية رأس المال البشري وتأثيره في القيمة الاقتصادية للمؤسسات اقترحت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية SEC أنه يجب على الشركات الاستعداد للكشف عن مقاييس رأس المال البشري الرئيسة في تقاريرها العامة. ويشير جاي كلايتون Jay Clayton، رئيس SEC إلى أن ما يقارب 70 في المائة من قيمة الشركات متجسد في الأصول غير الملموسة ورأس المال البشري، ولا يتم تسجيلها في البيانات المالية التقليدية.
يرى البعض أن التطور التكنولوجي الذي نعيشه في هذا العصر سيكون معوضا عن تأثير رأس المال البشري، وهذا خطأ كبير. فمع تطور التكنولوجيا وزيادة الاعتماد على الآلة، وأتمتة العمليات إلا أن الأثر البشري يظل مهما في إيجاد القيمة المضافة لهذه المكونات. وبحسب بيان Business Roundtable تعهد 200 من الرؤساء التنفيذيين بالاستثمار في موظفيهم من خلال تقديم تعويضات عادلة ومزايا مهمة، وتدريب وتأهيل للمهارات والتعليم الذي يعزز قيمة الموظفين في هذا الوقت. كما يشمل الالتزام تجاه الموظفين أيضا تعزيز الإدماج والتنوع والكرامة. وهذا يتماشى مع اتجاهات الشركات لاستكمال الاستثمارات في التكنولوجيا بشكل متزايد من خلال التدريب والتأهيل والمكافآت الإجمالية "الأجور والمزايا والوظائف والرفاهية" التي تزيد من استثماراتها في رأس المال البشري.
تبرز الحاجة إلى اهتمام أعضاء مجالس الإدارة بالرفاهية العامة للموظفين الذين يوجدون قيمة للمؤسسة وأصحابها. ولتحقيق ذلك يجب أن يأخذ مجال حوكمة رأس المال البشري مزيدا من الاهتمام والتركيز لتحقيق المستهدفات لجميع أصحاب المصلحة. كما أنها ستصبح أحد المحفزات التي يبني عليها المستثمرون قراراتهم في الاستثمار في منشآت أو غيرها. ومن أجل ذلك يشكل النموذج المقترح تضمين "التسلسل الهرمي للاحتياجات" نظرية ماسلو Maslow مع غيرها من نظريات علم النفس، مثل نظرية تقرير المصير لإدوارد ديسي وريتشارد رايان. والتركيز على موضوعات تشمل الأمان، والرفاهية الجسدية والعاطفية، الرفاهية المالية، والوصول إلى الكفاءة، وتوفير الدوافع والمكافآت المناسبة، وجود القيادة الأخلاقية، وتوفير الممكنات والتمكين، ثم يأتي قياس عائد الاستثمار كمؤشر لنجاح سياسة الشركات في حوكمة رأس المال البشري.