حرب روسيا والاقتصاد العالمي «2 من 2»
على نحو مماثل، لن يقتصر الأذى الناجم عن العقوبات المقبلة ضد روسيا على روسيا فحسب ـ سواء كانت كبيرة أو محدودة، ومهما كانت ضرورية للردع في المستقبل ـ بل سيشمل حتما الولايات المتحدة، والغرب ودولا أخرى، وأسواقا الناشئة. علاوة على ذلك، لا يجوز لنا أن نستبعد احتمال رد روسيا على العقوبات الغربية الجديدة باتخاذ تدابير مضادة من جانبها، على وجه التحديد، خفض إنتاج النفط بشكل حاد من أجل دفع أسعار النفط العالمية إلى مزيد من الارتفاع. مثل هذا التحرك من شأنه أن يحقق فائدة صافية لروسيا ما دامت الزيادة الإضافية في أسعار النفط أكبر من خسارة صادرات النفط. الواقع أن بوتين يعلم أنه قادر على إلحاق أضرار غير متكافئة بالاقتصادات والأسواق الغربية، لأنه أمضى القسم الأكبر من العقد الأخير في بناء صندوق حرب وصنع درع مالية ضد العقوبات الاقتصادية الإضافية.
تعد صدمة الركود التضخمي العميق السيناريو المروع من منظور البنوك المركزية. في بيئة تتسم بارتفاع التضخم، حيث تتخلف البنوك المركزية بالفعل عن المنحنى، قد يتسبب إحكام السياسة بشكل أبطأ في تسريع وتيرة إفلات توقعات التضخم من مرساها، ما يؤدي إلى تفاقم الركود التضخمي. ولكن إذا ظلت البنوك المركزية على موقفها المتشدد "أو أصبحت أكثر تشددا"، فسيكون الركود الذي يلوح في الأفق الآن أكثر حدة.
رغم أن البنوك المركزية ينبغي لها أن تتصدى بقوة لعودة التضخم، فإنها ستحاول في الأرجح مراوغته، كما فعلت في سبعينيات القرن الـ20. وستزعم أن المشكلة مؤقتة، وأن السياسة النقدية من غير الممكن أن تؤثر في صدمة العرض السلبية الخارجية المنشأ أو تبطل تأثيرها. وعندما تحين لحظة الحقيقة، فإنها ستختار في الأرجح إحكام السياسة النقدية بشكل أبطأ لتجنب إشعال شرارة ركود أكثر حدة. وهذا من شأنه أن يجعل توقعات التضخم أشد جموحا.
في غضون ذلك، سيحاول أهل السياسة تخفيف صدمة العرض السلبية. في الولايات المتحدة، سيحاول صناع السياسات التخفيف من ارتفاع أسعار البنزين عن طريق السحب من احتياطياتها البترولية الاستراتيجية، والطلب من المملكة زيادة إنتاجها من النفط، لكن هذه التدابير لن تخلف سوى تأثير محدود، لأن المخاوف واسعة الانتشار من مزيد من ارتفاعات الأسعار ستؤدي إلى اكتناز الطاقة على مستوى العالم.
ولا يستطيع القادة الغربيون الاعتماد على السياسة المالية في التصدي للتأثيرات المثبطة للنمو الناجمة عن صدمة الركود التضخمي. من بين الأسباب وراء ذلك أن الذخيرة المالية لدى الولايات المتحدة وعديد من الاقتصادات المتقدمة الأخرى بدأت تنفد، بعد أن بذلت كل جهد ممكن في الاستجابة لجائحة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19. بيت القصيد هنا هو أن التحفيز "الطلب" المالي يعـد استجابة سياسية خاطئة لصدمة العرض الناجمة عن الركود التضخمي. فرغم أنه قد يقلل من تأثير الصدمة السلبي في النمو، فإنه سيضيف إلى الضغوط التضخمية. وإذا اعتمد القادة على كل من السياسة النقدية والسياسة المالية في الاستجابة للصدمة، فستصبح عواقب الركود التضخمي أكثر حدة، بسبب التأثير متزايد القوة في توقعات التضخم.
من المغري أن نتصور أن الصراع الروسي - الأوكراني لن يخلف سوى تأثير اقتصادي ومالي ثانوي ومؤقت. ذلك أن روسيا تمثل 3 في المائة فقط من الاقتصاد العالمي "وأوكرانيا أقل كثيرا". لكن الدول العربية التي فرضت حظرا نفطيا في 1973، وإيران الثورية في 1979، كانت تمثل حصة أقل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة بروسيا اليوم.
الواقع أن حرب روسيا ـ أوكرانيا ستوجه ضربة شديدة القسوة للثقة العالمية في وقت بدأ فيه التعافي الهش يدخل بالفعل فترة من انعدام اليقين وتزايد الضغوط التضخمية. ولن تكون التأثيرات التابعة المتتالية الناجمة عن أزمة أوكرانيا عابرة أو مؤقتة بأي حال من الأحوال.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.