بعد سرقتها إبان حرب 2003 .. أعمال فنية عراقية تعرض في بغداد بعد استعادتها
في بغداد بات في إمكان الجمهور أن يتمتع من جديد بلوحات لمناظر طبيعية وأعمال نحتية تمثل جزءا من الإرث الفني التشكيلي العراقي الذي فقد جراء السرقة والنهب عقب حربها في 2003 بمعرض يضم 100 من أعمال استعادتها البلاد خلال السنوات الماضية.
وافتتحت وزارة الثقافة نهاية شهر مارس في قاعة كبيرة معرضا جمع أعمال فنانين رواد في الرسم والنحت كانت سرقت عام 2003 من أكبر المراكز الفنية في بغداد الذي كان يضم آلاف اللوحات والاعمال النحتية التي مازال مصير أغلبها مجهولا.
وتحمل القاعة اسم أشهر الفنانين العراقيين الرواد فائق حسن وتضم 100 لوحة رسم وعمل نحتي تمت استعادتها من أمريكا وإيطاليا وسويسرا والأردن وقطر.
ويقول الفنان التشكيلي فاخر محمد مدير الفنون العامة بوزارة الثقافة لـ "فرانس برس" : هذه الأعمال المعروضة تعود لمعلمي ورواد ونخبة الفن التشكيلي تعرضت لاضرار أثناء سرقتها في 2003 وهي تمثل جزءا من تاريخ الفن العراقي المعاصر. ويضيف "لكن تمت صيانتها وتأهيلها في زمن قياسي".
وأُنجزت تلك الاعمال في فترات مختلفة انطلاقا من مطلع الأربعينات ويعود تاريخ بعضها الى حقبتي الخمسينات والستينات. وتتنوع أساليبها الفنية ومدارسها ولكن معظمها مستقاة من الواقع والبيئة الاجتماعية.
وتبرز لوحة "الأهوار العراقية" في واجهة الأعمال الواقعية وهي مستوحاة من منطقة الأهوار الساحرة جنوب البلاد حيث تطفو بيوت القصب والزوارق الخاصة المعروفة بـ "المشاحيف".
ومن الأعمال اللافتة للانظار لوحة كبيرة للفنان فائق حسن تظهر فيها انتفاضة الناس البسطاء ضد الحرمان و الفقر وقد أنجزت عام 1967 وتطغى عليها الألوان القاتمة والوجوه الفزعة الهاربة من أماكن محترقة.
وهناك أيضا تمثال الأمومة لجواد سليم وهو تمثال خشبي استعاده النحات العراقي طه وهيب مقابل 200 دولار دفعها لشخص كان يقتني التمثال من دون أن يعلم قيمته التي قد تصل الى مئات آلاف الدولارات وفق ما يقول الفنان.
كما توجد أعمال تعود لنخبة من أبرز الأسماء الفنية العراقية مثل عبد القادر الرسام وكاظم حيدر وجميل حمودي ونوري الراوي واسماعيل الشيخلي وحافظ الدروبي وشاكر حسن آل سعيد ونوري مصطفى بهجت وعبد الكريم محمود وسعد الكعبي.
وكانت الأعمال المستعادة معروضة قبل 2003 في أحد أكبر المراكز الفنية العراقية في بغداد ويعرف بمركز صدام للفنون وقد تعرض لعملية نهب وتخريب وحشية إذ قام السارقون بتمزيق اللوحات بآلات حادة لتجريدها من إطاراتها الخشبية لكي يسهل حملها.
ويشير فاخر محمد للأعمال التي ما زالت بالمخازن . مشيرا إلى أن جزءا منها تعرض لأضرار بسبب التخزين غير المثالي السنوات الماضية بعد استعادتها". ويتابع "نعمل على تهيئة أكثر من قاعة لاستيعاب بقية الأعمال". ويضيف "يجب أن فتح المتاحف للناس ولا تبقى هذه الأعمال مسجونة بالمخازن".
وشهدت الحركة التشكيلية في العراق قبل 2003 وعلى الرغم من الحصار الاقتصادي إبان التسعينات ازدهارا وانتعاشا مع انتشار لقاعات العرض العامة. إلا أن الفن التشكيلي تراجع بعد ذلك التاريخ بسبب الحرب والطائفية وسيطرة "داعش" على أجزاء من البلاد ما دفع العديد من الفنانين الى الهجرة.
وتقول الفنانة التشكيلية لميعة الجواري المسؤولة عن عرض المقتنيات المتحفية، "عدد الأعمال التي تمت استعادتها بعد عام 2003، 2300 عمل من أصل سبعة آلاف سرقت". وتضيف "أعمال كثيرة كانت متضررة .. أعمال لا تُقدّر بثمن".
وتشير لميعة الجواري التي عملت منذ 2004 ضمن لجنة استعادة الأعمال المنهوبة الى أن بعض الأعمال استعيدت عبر قنوات رسمية فسفارة سويسرا ساعدت في عودة بعضها. كذلك ساعد مواطنون. وتضيف "نعمل على تدوير عرض الأعمال بين فترة وأخرى ليكون هذا الإرث الفني متاحا أمام الزائرين".
وعمل الفنان العراقي كاظم مرشد من آخر الأعمال الفنية التي استعيدت من العاصمة الأردنية في 2021 في حين يستمر التنسيق مع شرطة الانتربول للكشف عن باقي الاعمال المسروقة.
وتسلم حسن ناظم وزير الثقافة العراقي ومدير عام دائرة الفنون أخيرا 5 أعمال تخطيطية تعود للفنان الراحل محمد غني حكمت من سفارة إيطاليا وكانت مهداة من حكمت إلى شخصيات إيطالية عملت في مجال التنقيب في العراق، فقام هؤلاء بتسليمها الى جهات عراقية لدعم جهود نهضة المتاحف.
وأثناء تجوله في قاعة العرض، يبدي الفنان التشكيلي العراقي علي النجار (82 عاما)المقيم في السويد ارتياحه لعودة جزء من هذا الإرث إلى واجهات العرض قائلا "منذ خروجي من العراق في 1997 كنت أؤكد على حماية والمحافظة على ارشيف فن العراق". ويضيف "الرواد هم الذين أسسوا الفن المعاصر إذا فقدنا أعمالهم فقدنا التأسيس ودائما البناء بدون أساس يهدم".