المنافسة الاستراتيجية الحسنة بين أمريكا والصين «2 من 2»

عندما تكون الهيمنة التكنولوجية غير مرجحة في الأمد البعيد، ربما تسعى الدول إلى تحقيق هدف أكثر عملية، وربما يكون مفيدا. من منظور الولايات المتحدة يتلخص هذا الهدف في عدم التخلف عن الركب، أما من منظور الصين، فيتمثل الهدف في إكمال عملية اللحاق بالركب في مجالات حيث لا تزال متأخرة. في هذا السيناريو، يتنافس كل من الصين والولايات المتحدة من خلال الاستثمار بكثافة في الأسس العلمية والتكنولوجية التي يقوم عليها اقتصادها.
هذا لا يعني استبعاد السياسات التي تهدف إلى زيادة مستوى الاكتفاء الذاتي والقدرة على الصمود. على العكس من ذلك، مع تدهور الثقة بين الدول وتكاثر الصدمات الجهازية لم يعد الاقتصاد العالمي المنفتح تماما، حيث تكون الكفاءة والميزة النسبية بين الاعتبارات المحددة، خيارا واردا. وبالفعل، يعاد الآن تشكيل وترتيب سلاسل التوريد العالمية والاستثمارات والتدفقات المالية، مع انحياز نحو الشركاء التجاريين الذين يمكن التعويل عليهم. وابتكر كل من الصين والولايات المتحدة استراتيجيات موجهة نحو المرونة والقدرة على الصمود.
الواقع أن التنويع في حد ذاته ليس موقفا سياسيا مناهضا للمنافسة. تتضمن استراتيجيات الصين مثل "صنع في الصين 2025" واستراتيجية التداول المزدوج بنودا لتعزيز براعة التكنولوجيا الصينية، والعمل في الوقت ذاته على تقليل الاعتماد على التكنولوجيات والمدخلات الأجنبية، بل حتى الطلب الأجنبي. على نحو مماثل، يسعى القانون الأمريكي الثنائي الحزبية لإيجاد فرص التصنيع، والتفوق التكنولوجي، والقوة الاقتصادية لعام 2022 America COMPETES Act على تعزيز قدرات الولايات المتحدة العلمية والتكنولوجية ودعم سلاسل توريدها، خاصة من خلال تقليل الاعتماد على الواردات من الصين. ورغم أن مشروع القانون لم يتخذ بعد هيئته النهائية، فمن الممكن جعل بنوده متوافقة إلى حد كبير مع المنافسة الاستراتيجية الحسنة.
المنطقة الوحيدة التي تكون فيها المنافسة الحسنة مستحيلة هي مسائل الأمن القومي والدفاع والقدرات العسكرية. في حين يمكن استخدام تكنولوجيات عديدة في الصراع، فإن تلك التي تشكل أهمية بالغة وتستخدم في الأساس لأغراض عسكرية وأمنية يجب تطويقها وعزلها عن المنافسة التكنولوجية العالمية المفتوحة نسبيا.
يتمثل الخطر الحالي في العدد الكبير من التكنولوجيات التي ستعد وثيقة الصلة بالأمن القومي فيجري إخضاعها بالتالي لقواعد المحصلة الصفرية حيث الفائز الخالص والخاسر الخالص. هذا النهج من شأنه أن يخلف تقريبا التأثير ذاته المترتب على السعي المضلل إلى تحقيق الهيمنة التكنولوجية والحفاظ عليها، ما يؤدي إلى تآكل الفوائد الاقتصادية المترتبة على المنافسة.
في الظروف المثالية ينبغي للدول أن تسعى جاهدة للوصول إلى أو البقاء في طليعة الإبداع دون محاولة منع دول أخرى من تحديها. وتشكل القواعد المتفق عليها دوليا ضرورة أساسية لدعم مثل هذا النظام، الذي من شأنه أن ينتج قدرا أكبر كثيرا من التقدم التكنولوجي والنمو العالمي مقارنة بنظام يهيمن عليه لاعب تكنولوجي واحد مثل الولايات المتحدة، أو نظم لا تحكمها أي قواعد للمنافسة الاستراتيجية. نظرا للرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة القوية بما في ذلك الشيخوخة السكانية، وتراكم الديون السيادية الضخمة، وزيادة حدة التوترات الجيوسياسية والصراعات، وارتباكات جانب العرض، فضلا عن الاستثمارات المتنامية للتصدي للتحديات البيئية والشمولية، يحتاج العالم إلى الشكل الحميد من المنافسة الاستراتيجية أكثر من أي وقت مضى.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي