لماذا لا تنتج المملكة زيت النخيل؟

النخلة هي رمز وشعار المملكة الرسمي، وهي من النباتات التي حباها الله التأقلم مع طبيعة المملكة، وهي شجرة مباركة مفيدة في كل منتجاتها، وكانت حياة الآباء والأجداد تعتمد - بعد الله - عليها كثيرا، من الطعام اللذيذ الذي لا يحتاج إلى تبريد أو تجميد ولا وسائل حفظ معقدة، وهو غذاء مبارك، وكان منها الأثاث والفرش والأواني. وتزدهر متاحف المملكة من الآثار المصنوعة من النخلة من جريدها وسعفها وليفها وكربها وقنوانها وجمارتها وجذوعها، بل كانت تدخل في أساس بناء منازلهم، فتسقف بيوتهم ومساجدهم بجريدها وسعفها، وتشكل مادة عازلة للماء والحرارة. والنخيل عوائل وأصناف متعددة، تبلغ أصناف نخيل التمر منها في المملكة أكثر من 400 صنف مختلف منتجاتها باختلاف أصنافها، فمنها العجوة المباركة والخلاص والرزيز والسكري والهشيشي والخضري والسلج، وغيرها من الأصناف. نخلة الدوم المنتشرة في أودية تهامة ومنطقة جازان، خاصة قرب مصبات هذه الأودية في البحر، هي من أصناف النخيل القريبة من جنس نخيل الزيت.
نخيل الزيت لا توجد في المملكة، وهي من عائلة Arecaceae واسمها العلمي Elaeis guineensis وموطنها الأصلي غرب إفريقيا في جامبيا وأنجولا، ونقلت إلى إندونيسيا وماليزيا قبل 120 عاما، وازدهر إنتاجها هناك وأصبحت إندونيسيا تمثل أكثر من 50 في المائة من إنتاج العالم من زيت النخيل، وأصبح زيتها منتجا رئيسا وموردا اقتصاديا فيها يزاحم إنتاج البترول ويتصدر قوائم زيوت الطعام في العالم، مثل زيت دوار الشمس وزيت الذرة، بل إنه يفوق إنتاج زيت الذرة بأربعة أضعاف، ويفوق إنتاج زيت دوار الشمس بتسعة أضعاف إنتاجية وحدة المساحة.
وهو نبات وحيد الجنس، فمنه المذكر والمؤنث، ويتم التكاثر فيه بالبذور وليس بالفسائل مثل نخيل التمر، وتحتاج نخيله إلى أجواء استوائية ذات رطوبة وتربة من الطمي المفكك، وتتم زراعتها حاليا في أكثر من 42 دولة حول العالم، وتتحمل نخيل الزيت الملوحة في التربة والمياه، وتصل ملوحة التربة في أراضيها إلى 13,000 جزء في المليون، وتزرع عادة على مسافات ثمانية إلى عشرة أمتار، وتستمر زراعتها من ثلاثة إلى خمسة أعوام من البذرة إلى الشجرة المنتجة، وتنتج النخلة متوسط 300 كيلوجرام من الثمار سنويا مع التسميد الجيد، وتعمر ما بين 25 و30 عاما تقريبا، ويستخرج الزيت للأكل من لحم الثمرة، بينما يستخدم زيت نواه في صنع منتجات التجميل.
وأدخل زيت النخيل في معظم منتجات الشوكولاتة والمنتجات الغذائية القابلة للدهن، مثل النوتيلا وحشوات الكروسان والكعك، كما يستخدم بقية مخلفات التصنيع من الثمار والبذور، فتدخل في صناعة الأعلاف. تنتج نخلة الزيت نحو 35 إلى 60 كيلوجراما من الزيت للأكل، عدا الزيت الذي يستخرج من النواة لمنتجات التجميل. وبحسب NDR الموقع الإلكتروني للمركز الألماني لشؤون المستهلكين، فإن 50 في المائة من المواد الغذائية المصنعة تحتوي على زيت النخيل، وتلزم المواصفات الألمانية الإفصاح عن نسبة زيت النخيل في المنتجات المحلية، حيث يرى بعض الأطباء أن زيت النخيل عند تسخينه لدرجات عالية أكثر من 230 درجة، يتكون ما يسمى إسترات الأحماض الدهنية MCBD3، أحماض ضارة بالصحة، كما أن محتوى زيت النخيل من الأحماض الدهنية المشبعة بالنيتروجين يعد مرتفعا نسبيا، وقد ترجع الحملات الإعلامية التي تستهدف زيت النخيل لأسباب اقتصادية وتنافسية لمنتجات زيوت ودول أخرى، ومعظم زيوت الطعام إذا تعرضت لدرجات عالية تتحول إلى منتجات ضارة. وتحتوي ملعقة طعام واحدة من زيت النخيل على 114 سعرة حرارية و14 جراما من الدهون، منها سبعة جرامات دهون مشبعة وخمسة جرامات دهون أحادية غير مشبعة، و1.5 جرام دهون متعددة غير مشبعة، وتحتوي على 11 في المائة من فيتامين E. ويسهم زيت النخيل في خفض الكولسترول بمستوى مساو لفعل زيت الزيتون تقريبا.
أصبحت إندونيسيا وماليزيا تشكلان 84 في المائة من الإنتاج العالمي لهذه الزيوت، وتحتفظان بأكبر المساحات المستخدمة في زراعة نخيل الزيت، حيث تبلغ 7,000,000 هكتار، ويحتاج العالم من زيت النخيل إلى 75.45 مليون طن متري سنويا.
تبلغ مساحة ماليزيا، ثاني أكبر منتج لزيت النخيل في العالم 329,847 كيلومترا مربعا، وتنتج 19 مليون طن متري من زيت النخيل على مساحة 17,000 ميل مربع، ويعمل في هذا القطاع 570,000 شخص، وعند مقارنتها بمنطقة تهامة في المملكة البالغة مساحتها 235,000 كيلومتر مربع، منها 13,000 كيلو متر مربع في منطقة جازان وحدها ذات المناخ الأكثر مناسبة لزراعة زيت النخيل، سواء من حيث نوعية التربة أو المياه أو درجة الحرارة، كما أن انتشار نخيل الدوم في منطقة جازان وأودية تهامة مؤشر جيد لنجاح زراعة نخيل الزيت في المملكة، فهي تتحمل ملوحة المياه والتربة وتزدهر في المناطق الاستوائية، كما تعد التجربة الماليزية والإندونيسية بنقل بذور هذه الشجرة من إفريقيا وازدهارها أكبر خارج موطنها الأصلي، مثالا مشجعا على بدء زراعة هذه النخلة في السعودية، ولا سيما أن المملكة تستورد زيت النخيل من إندونيسيا وحدها بمبلغ 12 مليار ريال سنويا "نيسان (أبريل) 2022"، ما يعزز قيام صناعة واعدة لإنتاج زيت الطعام في منطقة جازان وسهول تهامة، ستسهم في إنتاج منتج وطني مطلوب وتحد من استيراده، وتوفر فرص عمل للمواطنين في هذه المناطق، ويعد استفادة مثلى من مواردنا الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي