باول ومعضلة التضخم واقتداؤه بفولكر «2 من 2»

رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية من 10.5 في المائة في تموز (يوليو) 1979، إلى 17.6 في المائة في نيسان (أبريل) 1980. ثم عكس فولكر المسار أثناء تجربة ضوابط الائتمان غير الحكيمة، وإن كانت قصيرة الأجل في ربيع عام 1980، قبل أن يستأنف إحكام السياسة النقدية الذي دفع أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى ذروة شهرية بلغت 19.1 في المائة في حزيران (يونيو) 1981. آنذاك فقط انكسرت حمى التضخم الذي بلغ خانة العشرات.
بحلول أواخر عام 1982، مع دخول الولايات المتحدة في ركود عميق، هبط معدل تضخم مؤشر أسعار المستهلك الرئيس السنوي إلى أقل من 4 في المائة، وبدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة المعيارية. انطلاقا من إدراكه سيكولوجية التضخم الراسخة التي لا تزال تمسك بتلابيب أمريكا، تحرك الاحتياطي الفيدرالي ببطء وحذر. لم يكن فولكر، بعد أن كسر ظهر التضخم، "ليغادر المدينة" قبل أن تكتمل مهمة الاحتياطي الفيدرالي.
بعد مرور 40 عاما، تبدو معضلة باول واضحة بشكل صارخ. صحيح أن عالم اليوم مختلف بكل تأكيد عما كان عليه في ذلك الحين. لكن من الواضح أن الاحتياطي الفيدرالي الحديث يفتقر إلى أي ذاكرة مؤسسية حول الأخطاء التي ارتكبها في عهد بيرنز. في عام 2021، نشأ شعور مذهل بأننا عشنا الأحداث ذاتها من قبل عندما تعامل القائمون على البنك المركزي في الولايات المتحدة مع الارتفاع الأولي في التضخم باعتباره حالة عابرة وأهدروا مصداقية التوقعات الراسخة بشأن التضخم المنخفض.
نظر الاحتياطي الفيدرالي إلى صدمة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19 بالطريقة ذاتها التي نظر بها إلى الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008 ـ 2009، وقرر ضخ حوافز نقدية ضخمة لمعالجة ما كان مقتنعا بأنه سيكون عجزا طويل الأمد في الطلب الكلي. بالنظر إلى الماضي الآن، يتبين لنا أن ذلك كان خطأ سياسيا فادحا. مع إفساح عمليات الإغلاق المرتبطة بالجائحة المجال بسرعة لإعادة فتح الاقتصاد، عاد الطلب الكلي بسرعة، مدعوما بالحوافز المالية الضخمة، إلى سابق عهده بقوة. وفي مواجهة ارتباكات سلاسل التوريد التي تبدو مزمنة الآن، أفضى هذا الإقلاع السريع بعد الإغلاق إلى إحداث أكبر تضخم في جيلنا.
تبدو مشكلة باول أكثر وضوحا عند النظر إليها من خلال عدسة أسعار الفائدة الحقيقية المعدلة تبعا للتضخم. على مدار قيادته للاحتياطي الفيدرالي التي دامت 51 شهرا "حتى نيسان (أبريل) 2022"، بلغ متوسط أسعار الفائدة الحقيقية على الأموال الفيدرالية 1.95 في المائة بالسالب "مع التأكيد على علامة السالب". الواقع أن هذه المواءمة النقدية غير العادية لا مثيل لها في العصر الحديث. في عهد بيرنز بلغ متوسط سعر الفائدة الحقيقية على الأموال الفيدرالية 0.05 في المائة بالسالب لمدة ثمانية أعوام، وبلغ 0.7 في المائة بالسالب في عهد بيرنانكي الذي دام ثمانية أعوام، وسجل 0.9 في المائة بالسالب لأربعة أعوام في عهد خليفته جانيت يلين.
في عهد فولكر، على سبيل المقارنة، بلغ متوسط سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية 4.4 في المائة لثمانية أعوام "مع التأكيد على علامة الإيجاب". علاوة على ذلك، على الرغم من تصميم الاحتياطي الفيدرالي المكتشف حديثا في عهد باول على التحرك بسرعة في مواجهة ما عده بعد تأخير مشكلة تضخم خطيرة، أظن أن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية سيظل أقل من معدل التضخم في الولايات المتحدة حتى عام 2023. هذا من شأنه أن يدفع متوسط باول إلى 2.25 في المائة بالسالب على مدار 59 شهرا تنتهي في كانون الأول (ديسمبر) 2022.
كلا، أنا لا أزعم أن باول يجب أن يكرر حملة إحكام السياسة النقدية من عهد فولكر. لكن إذا كان الاحتياطي الفيدرالي راغبا في تجنب تكرار الركود التضخمي من أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الـ20، فيتعين عليه أن يدرك الهوة غير العادية بين سعر الفائدة الحقيقي الذي بلغ 4.4 في المائة في عهد فولكر والذي بلغ 2.25 في المائة بالسالب في عهد باول. من قبيل التضليل والوهم أن نتصور أن مثل هذا المسار السياسي شديد التساهل قد يحل أسوأ مشكلة تضخم في أمريكا منذ جيل كامل.
مثله كمثل فولكر، يتعامل باول مع مهمته في الخدمة العامة بجدية شديدة. لكن مع الأسف، كما كان بنتسن ليقول، هنا تنتهي المقارنة بين الرجلين.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي