فيلم «توب جن مافريك» .. إمكانات سينمائية تخطت التوقعات
ما إن تسمع بخبر الإعلان عن فيلم جديد لنجم هوليود توم كروز، حتى يفتح باب التكهنات وتنفرد مخيلة المشاهد على احتمالات لا تعد ولا تحصى عن ماهية العمل، والرسالة التي يحملها والأداء التمثيلي للنجم العالمي الذي يقف على حدود عقده السادس، فعندما قدم توم كروز دوره في فيلم Top Gun الجزء الأول في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، تحول بفضل وسامته، ولياقته البدنية العالية، إلى نجم شباك التذاكر بلا منازع، وأصبح أيقونة تختصر مواصفات الشاب الجميل منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، لكن بعد مرور 30 عاما كيف أصبح الممثل الوسيم في الجزء الثاني من الفيلم الذي صدر تحت عنوان Top Gun Maverick؟.
كروز أكثر نضجا
تعود شخصية توم كروز طيار البحرية الأمريكي في دور "بيت مافريك"، بملامح أكثر نضجا، بعد قضائه أكثر من 30 عاما في القوات الجوية كواحد من أكفأ الطيارين في سلاح الجو الأمريكي، ويتولى تدريب عدد من الطيارين الموهوبين، للقيام بمهمة صعبة ومحددة، هي تحييد مصنع تخصيب اليورانيوم في جزيرة غير مسماة، محمية بشدة من قبل قوات نظام معاد، فيبدأ مرحلة جديدة في عمله، وتلقى على عاتقه مهمة تدريب ابن زميله جووس الطيار الراحل.
الطيار المتهور
عرف مافريك في الجزء الأول بالطيار المتهور، لا يتلقى الأوامر من أحد، يكسر القواعد، ويبحث عن البدائل انطلاقا من مقاربته للموقف الذي يعيشه وزملاؤه، وتستمر هذه الشخصية في الجزء الثاني، مع ظهور مافريك برتبة نقيب، يتنقل من مهمة إلى أخرى ولا يحصل على الترقيات بسبب مشاكسته. تبدلت ملامح الشاب الوسيم مفتول العضلات في الجزء الأول إلى رجل خمسيني ناضج ومسؤول، في الجزء الثاني، يتولى إدارة مجموعة من الطيارين الشباب ومن بينهم "روستر" يؤدي دوره مايلز تيلير، وهو ابن صديقه وزميله الراحل "جووس" يؤدي دوره أنتوني إدواردز. إضافة إلى علاقته بـ"بيني" تؤدي دورها جنيفر كونيلي، المرأة التي عرفها في الفترة التي تقع بين الفيلمين، وعاشا حياة عاطفية متقلبة ومتقطعة، فكانت توليفة متداخلة فيها من مشاعر الحب والشعور بالذنب والغضب الكثير، لكنهما عادا إلى علاقتهما الرومانسية في هذا الجزء، مع استبدال شخصية تشارلي التي لعبتها كيلي ماجيليز بشخصية بيني. أما هانجمان، يؤدي دوره جلين بأول، فهو الشخص ذو الأهمية الذي يذكرنا بغرور مافريك أثناء الطيران، وبالتالي تستمر المقارنات بينهما. تمتلئ خطوط الحبكة بالأحداث السريعة، ما يجعلTop Gun Maverick فيلما ترفيهيا رائعا من دون أي تعقيدات في القصة التي عمل على تأليفها كل من جيم كاش، جاك إيبس جونيور، إريك وانر سينجر، كريستوفر ماكواير وإهرن كروجر.
روعة التصوير
يرى البعض أن قوة نجاح فيلم "توب جن مافريك"، تكمن في تقديمه صورة تلامس الحقيقة في صدقيتها عن عالم الطيران، ومع وجود المؤثرات البصرية، نجح المخرج جوزيف كوزينيسكي في دمج المشاهد بالصورة وكأنها واقعية، وفي بعض المشاهد اضطر كروز إلى تشغيل الكاميرا، لأنه لا مكان في الطائرة ليشغله المصور، وبالاستعانة بطيار محترف من الجيش الأمريكي للقيام بالمشاهد الصعبة، تمكن من نقل الأحاسيس الجسدية لمناورات الطيران، وهو المعروف عنه قيامه بالمشاهد الصعبة دون الاستعانة بدوبلير. وقد يكون الإصرار على تقديم هذا المستوى من الروعة والمصداقية في التصوير واحدا من العوامل التي أدت إلى رفض عرض الفيلم على المنصات الإلكترونية، ومنحه الفرصة الكاملة ليعرض في صالات مجهزة، ليعيش المشاهد هذه التجربة الحسية والبصرية والصوتية الرائعة.
رأي النقاد
أما النقاد فكان لهم رأي خاص، حيث طرحت شركة "بارامونت" المنتجة للفيلم نسخة حصرية للنقاد والصحافيين في مؤتمر "سينماكون"، الذي أقيم في مدينة لاس فيجاس، وتفاوتت ردود فعل النقاد على الفيلم، لكنها كانت إيجابية في المجمل على عكس التوقعات.
وقال الناقد إيريك ديفيس "توب جن مافريك، رائع بكل معنى الكلمة، مشاهد الأكشن والطيران جنونية وفي تغير وتطور مستمر، إنه صفقة ممتازة".
وقالت الناقدة كاثلين بووث "فيلم توب جن 2 هو ما يتمناه المرء من فيلم تجاري ضخم، ومشاهد الطيران تم تصويرها ببراعة، وأدى الممثلون دورهم جيدا".
أما الكاتب درو تايلور، فرأى أن مشاهدة فيلم "توب جن مافريك" تجربة سينمائية عميقة، ويمكن اعتبارها الأفضل هذا العام بدون مبالغة، "فقد حقق صناع العمل توازنا بين العاطفة والأكشن بشكل يفوق التوقعات".
موقف الصين
يعيش العالم قاب قوسين من أزمة سياسية قد تنفجر نتيجة التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين فيما يخص تايوان، وهذا ما يبرر غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الصين بسبب ظهور العلم التايواني على ظهر سترة يرتديها الملازم بيت "مافريك" في النسخة الجديدة، السترة التي ارتداها في النسخة الكلاسيكية إحياء لذكرى رحلات والده الحربية إلى اليابان وتايوان في الفترة من 1963 إلى 1964.
لكن في 2019، وعند إصدار المقطع الدعائي للجزء الثاني المرتقب أزيل العلم التايواني، إذ كان توجه هوليوود آنذاك قائما على إعطاء السوق الصينية أهمية كبيرة، نظرا إلى إيراداتها الكبيرة. كانت هناك تكهنات بأن القرار قد تأثر بموزع الأفلام الصينية وشركة الإنتاج "تنسنت بكتشرز" الصينية، التي كانت مشاركة في إنتاج الفيلم. لكن عندما بدأ عرض الفيلم شوهدت عودة العلم التايواني، بعد أن تراجعت الشركة الصينية عن وعدها بالمشاركة في تمويله.
العودة إلى "كان" والإيرادات
رغم كل المعوقات التي أخرت خروج هذا العمل الضخم إلى النور، من انتشار جائحة كورونا إلى أسباب فنية وتقنية مختلفة، غير أن النتيجة فاقت التوقعات، وتمكن فيلم "توب جن" من حصد 248 مليون دولار كإيرادات كبيرة بعد أيام فقط من عرضه، على مستوى العالم، وفقا لما أعلنته شركة باراماونت المنتجة للفيلم، كما نال إعجاب الجماهير وحصد إشادات عديدة. هذا وحظي بكلا النجاحين الجماهيري والنقدي بمعدل 97 في المائة، وإيرادات هي الأعلى في تاريخ استوديو باراماونت. أضف إلى ذلك أنه سمح بعودة نجم هوليود إلى مهرجان كان السينمائي، وقد شارك بالحضور شخصيا لمشاهدة إطلاق الفيلم، لما لهذا المهرجان من قيمة فنية وسينمائية بارزة.
إذن، نجح الفيلم وحقق إيرادات تفوق الخيال، وإشادة من النقاد فاقت التوقعات، ويبقى السؤال: هل سينجح أيضا في حجز جائزة الأوسكار، كما حصل مع الجزء الأول الذي فاز بجائزة وحيدة لأفضل أغنية أصلية؟.