هل نتجه إلى أنموذج النزعة الإنتاجية الجديد؟ «2 من 2»
يتفق الجمهوريون ـ القلقون من صعود الصين ـ مع الديمقراطيين على مسعى مشترك يتمثل في الدفع باتجاه سياسات الاستثمار والابتكار لتعزيز التصنيع في الولايات المتحدة. وأطلق السيناتور الأمريكي ماركو روبيو، وهو مرشح رئاسي جمهوري سابق ومرشح محتمل أيضا في المستقبل، مناشدات حماسية من أجل تبني سياسة صناعية تشجع مساعدة الشركات الصغيرة، وكذلك التصنيع وقطاعات التكنولوجيا المتقدمة، ماليا وتسويقيا وتقنيا. قال روبيو، "في تلك الحالات التي تظهر عدم رضا شعبنا عن أكفأ النتائج في السوق، تتجلى حقيقة مفادها أن ما نحتاج إليه هو سياسة صناعية موجهة لدعم الصالح العام".
يتفق كثيرون من المنتمين إلى تيار اليسار مع هذا الرأي. فقد حاز روبرت لايتيزر، مهندس سياسة ترمب مع الصين، إعجاب كثيرين من التقدميين، نظرا إلى أساليبه الخططية الصارمة في التعامل مع منظمة التجارة العالمية. بل لقد وصف روبرت كوتنر، وهو صوت قيادي مسموع بين اليساريين، آراء لايتيزر بشأن التجارة والسياسة الصناعية والنزعة القومية الاقتصادية، بأنها "كانت تعبر أكثر عن ديمقراطي تقدمي".
كذلك نجد أن مركز نسكانين، الذي يحمل اسم خبير الاقتصاد الليبرالي وليام نسكانين "أحد المستشاريين الرئيسين لريجان" جعل "قدرة الدولة" أحد مشاريعه الرئيسة، مؤكدا أن قدرة الحكومات على توفير السلع العامة أمر مهم لأي اقتصاد موفور الصحة. أما أورين كاس، الذي كان مستشارا للمرشح الجمهوري مت رومني، خلال حملاته للانتخابات الرئاسية في 2008 و2012 وزميلا سابقا رفيع المستوى في معهد مانهاتن المؤيد للسوق، فيعد أحد المنتقدين للرأسمالية القائمة على التوسع المالي، كما يؤيد تقليل الاعتماد على سلاسل التوريد بإعادة التصنيع إلى الداخل، والاستثمار في المجتمعات المحلية.
بالمثل، يدعو باتريك دينين، أحد المفكرين البارزين في تيار "اليمين الشعبوي" الأمريكي، إلى "سياسات داعمة للعمال" و"تشجيع الإنتاج المحلي من خلال سياسة حكومية". وناقش دينين خلال مقابلة أجراها أخيرا تلك السياسات الاقتصادية وغيرها، ما دفع عزرا كلاين، الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى تسجيل هذه الملحوظة، "الطريف في هذا بالنسبة لي أن تلك الآراء تبدو مماثلة لآراء الحزب الديمقراطي الحالي".
وكما وجد جيمس وديبرا فالوز عندما جابا الولايات المتحدة بطائرتهما ذات المحرك الواحد لدراسة التنمية الاقتصادية المحلية، فإن البرجماتية "الحس العملي" قادرة على محو التحزب السياسي عندما يتعلق الأمر بتعزيز وضع المؤسسات التجارية، وإيجاد الوظائف، والشراكات بين القطاعين العام والخاص. فرأينا ساسة محليين يواجهون تحديات التدهور الاقتصادي والبطالة، وهم يتعاونون مع جماعات مجتمعية وأصحاب مشاريع وأطراف أخرى معنية في تجارب مستفيضة تتعلق بالسياسات. وكما حدث في حالات كثيرة، لم يحدث انتماؤهم السياسي فارقا كبيرا في أفعالهم.
يبقى أن نرى ما إذا كان هذا النوع من التعاون بين الحزبين وتلاقح الأفكار ليفضي إلى أنموذج جديد أو لا، فهناك انقسامات عميقة بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن قضايا اجتماعية وثقافية، مثل: حقوق الإجهاض والعرق والنوع. كما لا يزال يتعين على كثير من الجمهوريين، ومنهم شخصيات بارزة مثل روبيو، التبرؤ من ولائهم لترمب، الذي سيظل يمثل تهديدا للديمقراطية الأمريكية. كذلك يوجد دوما خطر تبدد السياسات الصناعية "الجديدة" التي يفضلها كل من المحافظين والتقدميين، أو تحولها إلى تدابير قديمة من الماضي.
رغم ذلك، هناك علامات لإعادة توجيه كبير نحو إطار عمل لسياسة اقتصادية تقوم أسسه على الإنتاج والعمل والمحلية، بدلا من التمويل والاستهلاكية والعولمة. وربما تتطور النزعة الإنتاجية إلى أنموذج سياسة جديد يأسر خيالات حتى أشد المستقطبين من المعارضين السياسيين.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.