الطاقة الجديدة والنظر للمستقبل «2 من 2»

بداية، لم يكن لأي تحليل جاد نشر قبل قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الدخول في حرب مع أوكرانيا، أن يتصور قط أن روسيا ستقطع إمدادات الغاز عن الاتحاد الأوروبي ككل. وكان انقطاع واردات الاتحاد الأوروبي من الحرب عن عمد يعد ضربا من المستحيلات. فعلى سبيل المثال، لم تنظر الشبكة الأوروبية لمشغلي أنظمة نقل الغاز ENTSOG، المكلفة باختبار قدرة شبكة الغاز الأوروبية على تحمل الضغوط، إلى هذا الاحتمال على الإطلاق. ويتصور آخر اختبار لتحمل الضغوط أجرته الشبكة ما قد يحدث في حالة عدم تدفق الغاز الروسي من خلال بيلاروس أو توقف إمداده عن طريق أوكرانيا. أما انقطاع الغاز الروسي تماما، فلم يكن جزءا من مجموعة نماذج السيناريوهات التي أعدتها. وكان من الواضح أن مجرد تصور الفكرة أمر مستحيل، أو أنها متطرفة إلى حد عدم تضمينها في أي اختبار لتحمل الضغوط. وببساطة، كان الضغط على النظام في هذا الحالة سيكون كبيرا للغاية.
وبالمثل، كانت النماذج الاقتصادية في وقتها محدودة. وأجرى الاقتصاديون في البنك المركزي الأوروبي تحليلا يستشهد به على نطاق واسع عنوانه "الاعتماد على الغاز الطبيعي والمخاطر على نشاط منطقة اليورو". وتفيد النتيجة الرئيسة التي يخلص إليها بأن حدوث صدمة نسبتها 10 في المائة في إمدادات الغاز ستؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو 0.7 في المائة. فما القطاع الأشد تضررا؟ أكثر القطاعات اعتمادا على الغاز كأحد مدخلاته المباشرة هو إمدادات الكهرباء والغاز والبخار وتكييف الهواء. وبالتالي، فإن صدمة قدرها 10 في المائة في إمدادات الغاز ستسفر عن هبوط ناتج هذا القطاع بنحو 10 في المائة. ويبدو هذا الاستنتاج معقولا للوهلة الأولى. فالمنهجية التي تقوم على أساليب المدخلات والمخرجات القياسية هي منهجية راسخة. وتكمن المشكلة في طبيعة التحليل الثابتة وما ينتج عنه من تحيز للوضع الراهن.
وحول المنافع والتكاليف، فإن المضخات الحرارية هي واحدة من أكثر التكنولوجيات الواعدة في مجال الطاقة منخفضة الكربون. فهي تحل محل السخانات التي تعمل بالنفط والغاز، بل تفوقها كفاءة من حيث الأداء. وواقع الأمر أن المضخات الحرارية عالية الكفاءة إلى حد أنها تستمد كل الكهرباء اللازمة لتشغيلها من الغاز الطبيعي، كما أنها تصدر انبعاثات أقل إذا كانت عملية احتراق الغاز الطبيعي تتم مباشرة في سخان منزلي يعمل بالغاز. والمضخات الحرارية ضرورية كذلك للتشغيل العكسي لأجهزة تكييف الهواء. لماذا إذن سيعاني قطاع تكييف الهواء في ضوء سيناريو ينطوي على نقص الغاز؟ سيرتفع الطلب على المضخات الحرارية ارتفاعا حادا، وهو اتجاه سائد بوضوح في جميع أنحاء أوروبا الآن، مع اختناق سلاسل الإمداد الذي يزيد من الضغوط التضخمية.
ولا يعني ذلك أن قطع إمدادات الغاز من روسيا ينذر بتوسع اقتصادي. بل على العكس من ذلك، فهو ينطوي على تكاليف حقيقية. والتغيير مسألة صعبة. لكن التكاليف تنطوي كذلك على فرصة سانحة. ويحمل تقرير ماكينزي عن الانتقال إلى مستوى الصفر الصافي عنوانا فرعيا مبشرا، "ماذا يكلفنا ذلك وماذا نجني من ورائه؟". باختصار، يتبين من تحليله أن تحويل اقتصاد العالم من مساره الحالي إلى بلوغ مستوى الكربون الصفري الصافي بحلول منتصف القرن ينطوي على تكاليف تبلغ نحو 25 تريليون دولار على مدار 30 عاما.
أما تحديد من الذي ينبغي أن يتكفل بهذه الاستثمارات بقيمة 25 تريليون دولار، فسيولد بعض الصراعات السياسية الصعبة. لكن سيكون هناك بالفعل كثير ممن سيربحون من هذه الاستثمارات الإضافية، بما في ذلك بالقيم الاقتصادية الصافية. وإذا قيست من منظور مجتمعي، تحقق هذه الاستثمارات عائدات تفوق تكلفتها بأضعاف كثيرة. وكشفت الحرب في أوكرانيا بالفعل عن ضياع كثير من الفرص على صعيد السياسات. فغالبا ما يكون الشغل الشاغل للسياسيين هو ترسيخ الوضع الراهن، وليس إجراء التغيرات الضرورية للسبب نفسه الذي كتب عنه نيكولو مكيافيلي، منذ خمسة قرون قائلا، "أعداء المجد هم كل هؤلاء الذين حققوا منافع في ظل الظروف القديمة، والمدافعون غير المتحمسين من الذين ربما أبلوا بلاء حسنا في ظل الظروف الجديدة".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي